قصيدة ليس الغريب من أروع ماقرأت
ينشدها المشاري العفاسي بصوت متهدج من البكاء لشدة ثؤثره
بها وهي فعلا مبكية و أعتبرها نشيدي المفضل ..
لَيْسَ الغَريبُ غَريبَ الشَّأمِ واليَمَنِ | إِنَّ الغَريبَ غَريبُ اللَّحدِ والكَفَنِ | |
إِنَّ الغَريِبَ لَهُ حَقٌّ لِغُرْبَتـِهِ | على الْمُقيمينَ في الأَوطــانِ والسَّكَنِ | |
سَفَري بَعيدٌ وَزادي لَنْ يُبَلِّغَنـي | وَقُوَّتي ضَعُفَتْ والمـوتُ يَطلُبُنـي | |
وَلي بَقايــا ذُنوبٍ لَسْتُ أَعْلَمُها | الله يَعْلَمُهــا في السِّرِ والعَلَنِ | |
مـَا أَحْلَمَ اللهَ عَني حَيْثُ أَمْهَلَني | وقَدْ تَمـادَيْتُ في ذَنْبي ويَسْتُرُنِي | |
تَمُرُّ سـاعـاتُ أَيّـَامي بِلا نَدَمٍ | ولا بُكاءٍ وَلاخَـوْفٍ ولا حـَزَنِ | |
أَنَـا الَّذِي أُغْلِقُ الأَبْوابَ مُجْتَهِداً | عَلى المعاصِي وَعَيْنُ اللهِ تَنْظُرُنـي | |
يَـا زَلَّةً كُتِبَتْ في غَفْلَةٍ ذَهَبَتْ | يَـا حَسْرَةً بَقِيَتْ في القَلبِ تُحْرِقُني | |
دَعْني أَنُوحُ عَلى نَفْسي وَأَنْدِبُـهـا | وَأَقْطَعُ الدَّهْرَ بِالتَّذْكِيـرِ وَالحَزَنِ | |
كَأَنَّني بَينَ تلك الأَهلِ مُنطَرِحــَاً | عَلى الفِراشِ وَأَيْديهِمْ تُقَلِّبُنــي | |
وَقد أَتَوْا بِطَبيبٍ كَـيْ يُعالِجَنـي | وَلَمْ أَرَ الطِّبَّ هـذا اليـومَ يَنْفَعُني | |
واشَتد نَزْعِي وَصَار المَوتُ يَجْذِبُـها | مِن كُلِّ عِرْقٍ بِلا رِفقٍ ولا هَوَنِ | |
واستَخْرَجَ الرُّوحَ مِني في تَغَرْغُرِها | وصـَارَ رِيقي مَريراً حِينَ غَرْغَرَني | |
وَغَمَّضُوني وَراحَ الكُلُّ وانْصَرَفوا | بَعْدَ الإِياسِ وَجَدُّوا في شِرَا الكَفَنِ | |
وَقـامَ مَنْ كانَ حِبَّ لنّاسِ في عَجَلٍ | نَحْوَ المُغَسِّلِ يَأْتينـي يُغَسِّلُنــي | |
وَقــالَ يـا قَوْمِ نَبْغِي غاسِلاً حَذِقاً | حُراً أَرِيباً لَبِيبـاً عَارِفـاً فَطِنِ | |
فَجــاءَني رَجُلٌ مِنْهُمْ فَجَرَّدَني | مِنَ الثِّيــابِ وَأَعْرَاني وأَفْرَدَني | |
وَأَوْدَعوني عَلى الأَلْواحِ مُنْطَرِحـاً | وَصـَارَ فَوْقي خَرِيرُ الماءِ يَنْظِفُني | |
وَأَسْكَبَ الماءَ مِنْ فَوقي وَغَسَّلَني | غُسْلاً ثَلاثاً وَنَادَى القَوْمَ بِالكَفَنِ | |
وَأَلْبَسُوني ثِيابـاً لا كِمامَ لهـا | وَصارَ زَادي حَنُوطِي حيـنَ حَنَّطَني | |
وأَخْرَجوني مِنَ الدُّنيـا فَوا أَسَفاً | عَلى رَحِيـلٍ بِلا زادٍ يُبَلِّغُنـي | |
وَحَمَّلوني على الأْكتـافِ أَربَعَةٌ | مِنَ الرِّجـالِ وَخَلْفِي مَنْ يُشَيِّعُني | |
وَقَدَّموني إِلى المحرابِ وانصَرَفوا | خَلْفَ الإِمـَامِ فَصَلَّى ثـمّ وَدَّعَني | |
صَلَّوْا عَلَيَّ صَلاةً لا رُكوعَ لهـا | ولا سُجـودَ لَعَلَّ اللـهَ يَرْحَمُني | |
وَأَنْزَلوني إلـى قَبري على مَهَلٍ | وَقَدَّمُوا واحِداً مِنهـم يُلَحِّدُنـي | |
وَكَشَّفَ الثّوْبَ عَن وَجْهي لِيَنْظُرَني | وَأَسْكَبَ الدَّمْعَ مِنْ عَيْنيهِ أَغْرَقَني | |
فَقامَ مُحتَرِمــاً بِالعَزمِ مُشْتَمِلاً | وَصَفَّفَ اللَّبِنَ مِنْ فَوْقِي وفـارَقَني | |
وقَالَ هُلُّوا عليه التُّرْبَ واغْتَنِموا | حُسْنَ الثَّوابِ مِنَ الرَّحمنِ ذِي المِنَنِ | |
في ظُلْمَةِ القبرِ لا أُمٌّ هنــاك ولا | أَبٌ شَفـيقٌ ولا أَخٌ يُؤَنِّسُنــي | |
فَرِيدٌ وَحِيدُ القبرِ، يــا أَسَفـاً | عَلى الفِراقِ بِلا عَمَلٍ يُزَوِّدُنـي | |
وَهالَني صُورَةً في العينِ إِذْ نَظَرَتْ | مِنْ هَوْلِ مَطْلَعِ ما قَدْ كان أَدهَشَني | |
مِنْ مُنكَرٍ ونكيرٍ مـا أَقولُ لهم | قَدْ هــَالَني أَمْرُهُمْ جِداً فَأَفْزَعَني | |
وَأَقْعَدوني وَجَدُّوا في سُؤالِهـِمُ | مَـالِي سِوَاكَ إِلهـي مَنْ يُخَلِّصُنِي | |
فَامْنُنْ عَلَيَّ بِعَفْوٍ مِنك يــا أَمَلي | فَإِنَّني مُوثَقٌ بِالذَّنْبِ مُرْتَهــَنِ | |
تَقاسمَ الأهْلُ مالي بعدما انْصَرَفُوا | وَصَارَ وِزْرِي عَلى ظَهْرِي فَأَثْقَلَني | |
واستَبْدَلَتْ زَوجَتي بَعْلاً لهـا بَدَلي | وَحَكَّمَتْهُ فِي الأَمْوَالِ والسَّكَـنِ | |
وَصَيَّرَتْ وَلَدي عَبْداً لِيَخْدُمَهــا | وَصَارَ مَـالي لهم حـِلاً بِلا ثَمَنِ | |
فَلا تَغُرَّنَّكَ الدُّنْيــا وَزِينَتُها | وانْظُرْ إلى فِعْلِهــا في الأَهْلِ والوَطَنِ | |
وانْظُرْ إِلى مَنْ حَوَى الدُّنْيا بِأَجْمَعِها | هَلْ رَاحَ مِنْها بِغَيْرِ الحَنْطِ والكَفَنِ | |
خُذِ القَنـَاعَةَ مِنْ دُنْيَاك وارْضَ بِها | لَوْ لم يَكُنْ لَكَ إِلا رَاحَةُ البَدَنِ | |
يَـا زَارِعَ الخَيْرِ تحصُدْ بَعْدَهُ ثَمَراً | يَا زَارِعَ الشَّرِّ مَوْقُوفٌ عَلَى الوَهَنِ | |
يـَا نَفْسُ كُفِّي عَنِ العِصْيانِ واكْتَسِبِي | فِعْلاً جميلاً لَعَلَّ اللهَ يَرحَمُني | |
يَا نَفْسُ وَيْحَكِ تُوبي واعمَلِي حَسَناً | عَسى تُجازَيْنَ بَعْدَ الموتِ بِالحَسَنِ | |
ثمَّ الصلاةُ على الْمُختـارِ سَيِّدِنـا | مَا وَصَّـا البَرْقَ في شَّامٍ وفي يَمَنِ | |
والحمدُ لله مُمْسِينَـا وَمُصْبِحِنَا | بِالخَيْرِ والعَفْوْ والإِحْســانِ وَالمِنَنِ |