منتديات المغربي
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم, أنت لم تقم بتسجيل الدخول بعد! يشرفنا أن تقوم بالدخول أو التسجيل إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى
عزيزي الزائر الكريم عند التسجيل في المنتدى يرجى وضع اميلك الحقيقي ليتم ارسال كود التفعيل عليه
فتسجيلك أخي الكريم اختي الكريمة دعم لنا و لهذا المنبر .فبادروا إلى التسجيل من أجل أن تدلو بدلوكم في مواضيع المنتدى.
وشكرا
إدارة منتديات المغربي


منتديات المغربي
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم, أنت لم تقم بتسجيل الدخول بعد! يشرفنا أن تقوم بالدخول أو التسجيل إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى
عزيزي الزائر الكريم عند التسجيل في المنتدى يرجى وضع اميلك الحقيقي ليتم ارسال كود التفعيل عليه
فتسجيلك أخي الكريم اختي الكريمة دعم لنا و لهذا المنبر .فبادروا إلى التسجيل من أجل أن تدلو بدلوكم في مواضيع المنتدى.
وشكرا
إدارة منتديات المغربي

منتديات المغربي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات المغربيدخول

description(حيرة قلب ) بقلمي Empty(حيرة قلب ) بقلمي

more_horiz
رواية كتبتها منذ سنتين ,,
أأرجو أن تلقى استحسانكم فهي محاولة بسيطة لقلم مبتدأ,,


الجزء الأول



يبدو أن الدنيا بدأت تبتسم لعلاء .. بعد طول تجهم ...
استيقظ صباحا على صوت والدته الحنون ...
_قم يا بني هناك ظرف وجدته عند الباب .. أرجو من الله أن يكون قرار تعيينك ... قم يا ولدي لعل ربي استجاب لدعائي الطويل ..
قفز علاء بعينين ذابلتين وامسك الظرف بلهفة ارتعشت لها أنامله ...
تأمله دون أن يصدق ..
_ يبدو أنه كذلك يا أمي ...

فتحه بعد أن مزق الغلاف من شدة شوقه لمعرفة ما بداخله ...
زاغت نظراته بين الأسطر و اتسعت شفتاه بابتسامة واسعة لتنطلق أمه بزغرودة طويلة ... لقد قرأت ما تحمله الورقة في عينين ابنها اللتان أشعتا بنور فرحة تحفظه هي عن ظهر قلب ..
عانق الشاب أمه بحرارة بينما ذرفت عينيها بسخاء ... كيف لا وابنها البكر قد من الله عليه أخيرا ...
أسرع علاء بمغادرة المنزل ترافقه دعوات والدته بالتوفيق والسداد ...
وقف أمام البناية الكبيرة وتأملها وكل جوارحه ترقص فرحا ,, أخيرا تم قبوله ليكون أحد الموظفين في شركة من شركات السياحة والسفر .. فقد كان حلمه منذ الصغر وهاهو ذا يتحقق بفضل دعوات أمه وجده واجتهاده ...
توقف المصعد أمام بهو كبير تناثرت على جوانبه أرائك أنيقة بينما احتل منتصف البهو مكتب جميل جلست خلفه فتاة في العقد التاني من عمرها ابتسمت له بأدب وسألته عما يريد مد يده المرتجفة بالظرف ...
أخذته منه دون أن تبرح تلك الإبتسامة ثغرها الصغير ... استأذنت منه كي تخبر المدير ... ثم اختفت وراء باب زجاجي كبير ...
أحس علاء بثوثر غريب عيناه أخذت تتجول بفضول في أرجاء البهو الفسيح ..
لفتت انتباهه الفتاة وهي تقفل الباب الزجاجي ببطء .. أشارت له بالجلوس على الأريكة المجاورة حتى ينتهي المدير من بعض أشغاله ...
ثم انهمكت تتأمل ملفا مليئا بالأوراق .. بينما اختلس علاء النظر إليها ...
تبدو مهتمة بما بين يديها فلم تحاول أبدا الإلتفات إليه وهو الذي اعتاد بنظرات الفتيات تلاحقه أينما حل وارتحل .. فقد كان ذو قامة ممشوقة وجسد رياضي .. وسيم الملامح ابيض اللون مع سواد شعره وعينيه ...
انتبه على صوت جرس رن قرب الفتاة ..
_تفضل سيدي المدير ينتظرك ..

أومأ علاء برأسه ملبيا .. بينما أخذت يديه تحاول ترتيب سترته البنية ...
استقبله المدير ببشاشة و رحب به كموظف جديد بشركته .. بعد أن عرفه على نوعية عمله وعن المهمة التي ستكون من نصيبه ... ولم ينسى أن يوصيه بالمثابرة والإجتهاد حتى يترقى لمنصب أكبر ..
وقع المدير قرار تعييينه و أمر علاء أن يسلمه للموظفة بالمكتب الخارجي وهي ستتكلف به حتى يعرف ما يجب معرفته ....

أخذت الفتاة علاء في جولة خاصة في أرجاء البناية تعرفه على المكاتب والموظفين واختصاصاتهم
وكان يصغي إليها باهتمام .. فصوتها الرقيق ورشاقة خطواتها السريعة جعلته يحاول أن يبدو مهتما أكثر ...
تعرف علاء على مكتبه الجديد .. كانت غرفة صغيرة نوعا ما تتوسطها نافذة تطل على الشارع الرئيسي .. في الركن الأيمن يوجد مكتب بسيط خالي إلا من حاملة أقلام وبعض الأوراق الفارغة ..
وفي الركن المقابل مكتبة بها عدد لا بأس به من الملفات وبعض الكتب السياحية ..
تجول علاء في مكتبه بسعادة واحتلت ملامحه الوسيمة ابتسامة جذابة ... وكأن لسان حاله يقول
هاهو حلمك بدأ يرى النور ... وما عليك سوى أن تثابر أكثر حتى تحقق الحلم كاملا ...



عاد علاء عند الظهيرة إلى البيت وكل جوارحه تكاد ترقص سعادة ....
دخل المطبخ وهو مادا ذراعيه لمعانقة والدته ... أخذها في حضن طويل وقبل جبينها ... ثم انطلق يحكي عن الشركة ومكتبه الخاص بفرحة كبيرة .. كانت أمه تصغي وابتسامة واسعة تزين وجهها ... فهي أيضا سعيدة لسعادة فلذة كبدها ...
سمعت الأم جرس الباب فطلبت من علاء أن يفتح كي تتمم هي تحضير الطعام ...
فتح علاء الباب ليجد سناء بنت الجيران سألها بأدب أن تدخل الى المطبخ .. ثم دلف إلى غرفته كي يرتمي فوق سريره ويعيد شريط أحداث اليوم ... ليصحو على نداء والدته تدعوه لتناول الطعام ...
في الغرفة المجاورة كانت الأم ترص االصحون بمساعدة سناء .. وهي تحكي عن فرحتها الكبيرة بعلاء ...
سناء تسكن في الطابق التاني للعمارة بينما كانت شقة علاء ووالدته في الطابق الأول ... هي فتاة جميلة لم يتجاوز سنها التاسعة عشرة ... شعرها بني وعيناها عسليتان تميل إلى سمرة خفيفة ... كانت تزور أم علاء دوما لتساعدها حينا وتؤنسها أحيانا أخرى ..فأم علاء مات زوجها قبل سنوات ليترك علاء في الرابعة عشرة من عمره .. حاولت بكل جهدها أن تربيه تربية حسنة ... فهو كل ما تملك من حطام الدنيا بعد وفاة والده ... كانا يعيشا على معاش بسيط تركه والد علاء الذي كان يعمل جنديا ورغم قلته فقد كانت والدة علاء تحرم نفسها أبسط الحقوق لتوفر لإبنها ما يحتاجه .. بفراسة الأم كانت تدرك أن سناء تهيم حبا بابنها لكنها تتجاهل ذلك خاصة وانها تعلم أن علاء لايفكر في الزواج في ظروفه الراهنة لازال يريد أن يحقق أحلاما كثيرة واليوم كانت البداية ..
جلسوا حول المائدة وابتسامته الرائعة لا تفارق محياه .. اخذ يتناول الطعام بشهية وهو يعد أمه أن يعوضها كل ما فات ... فقد كان يدرك حجم معانتها وهي تقاتل كي توفر له احتياجاته ... سناء تحاول جاهدة ان لا تطيل النظر إليه لكنها تضطر لذلك كي تصغي لكلامه ... فقد جعلته الفرحة اليوم ثرثارا بينما كانت تكاد لا تسمع صوته إلا نادرا .. فهو من طبعه أن يأكل بصمت ..

عاد علاء بعد الظهيرة لوظيفته ... بينما بقيت والدته وسناء تتبادلان أطراف الحديث
- يبدو علاء في غاية السعادة يا خالتي ...
- نعم يا حبيبتي وكيف لا وقد كان حلمه منذ كان صغيرا .. الحمد لله الذي عوضني عن صبري خيرا .. أظنه محظوظ جدا.. تعرفين كم هو صعب في أيامنا هاذه أن يحصل على وظيفة مثلها ...لكنه فضل الله علينا ورحمته بنا
- أجل يا خالتي فرب العالمين لم يرد لتعبك وصبرك أن يضيعان ...
-أتدرين يا سناء كان كثير الأسئلة في صغره خاصة حينما يتعلق الأمر بمدينة غير مدينتنا أو دولة أخرى .. كان يريد أن يعرف كل شيء عن باقي العالم ولم تكن لدي
معلومات كثيرة حتى أشفي غليله وكثيرا ما كنت أصرخ في وجهه حتى يصمت .. لكنه سرعان ما ينسى صراخي ليعود لأسئلته المحرجة .. عندما كبر قليلا أخبرته أن
الطريقة الوحيدة التي ستساعده في اكتشاف العالم الخارجي هي أن يختار اختصاصا قريبا من ميوله .. وكانت السياحة ... أنا سعيدة جدا به وأرجو من الله أن يوفقه
حتى يحقق كل أحلامه ..
حاولت سناء أن تقول شيئا لكنها عادت لصمتها وهي تبتسم لأم علاء وتتمنى أن تستمر في الحكي حتى تعلم حلمه القادم بعد الوظيفة .. هي تتمنى بكل خلجاتها
أن يكون الزواج هو الحلم التاني وبما أنهم لا أقارب لديهم وعلاء شاب خلوق وليس من ذوي العلاقات المتعددة .. فسيقع اختيار العروس عليها طبعا ..


فلن تجد أم علاء فتاة جميلة وطيبة مثل سناء لتكون زوجة لابنها ... هذا ما كان يجول بخاطرها بينما كانت شفتاها تبتسم لأم علاء وهي تحكي عن علاء دون توقف ..
توقفت الخالة عن الحكي واستأذنت سناء كي تقوم لتتوضأ وتصلي ... بينما اختارت سناء أن تدخل المطبخ كي تنظفه كما تعودت كلما تناولت وجبة مع أم علاء ..
يتبع...

description(حيرة قلب ) بقلمي Emptyرد: (حيرة قلب ) بقلمي

more_horiz
الجزء التاني,,





في الشركة كان علاء يصغي باهتمام لعادل موظف قديم بالشركة وقد اختاره المدير ليساعده في استلام مهامه الجديدة ..
كان متحمسا جدا ... ومستعد لكل ما يطلبه منه ... كان المفروض أن يبقى تحت التمرين لمدة شهر على الأقل لكن عادل أخبره أنه أصبح جاهزا للعمل
مباشرة بعد خمسة عشر يوم فقط ...مما زاد إعجاب مدير الشركة به فكان يشجعه باستمرار ..
مرت الشهور سريعا ليتألق علاء في عمله بسرعة مذهلة .. لم يكن يشغل باله حينها سوى أن ينجح في عمله ويحقق أكبر ما يمكنه تحقيقه ..
فزادإعجاب مديره به مع مرور الوقت فعرفه على اسرته ورحب به في منزله ..كانت زوجته سيدة في الأربعينيات من عمرها طيبة جدا ومتدينة ربت ولديها
حسام وياسمين أحسن تربية فكانا رمزا للأدب وحسن الخلق إضافة لما ورثاه عن أمهما من ملامح جميلة جعلتهما محبوبين من كل المحيطين بهما ...
أحس علاء بدفئ هذه الأسرة الصغيرة فبادلهم الحب والإحترام واصبح يتردد عليهم كلما سنحت الفرصة ولم ينسى أن يعرفهم على والدته التي وجدت عند زوجة المدير كل
الحفاوة والترحيب ...
كانت أم علاء تحكي لسناء عن كل ما استجد في حياتهما .. لكنها لما لمسته من مشاعر لديها تجاه ابنها تجنبت دائما الخوض في سيرة ابنة المدير ...
أما سناء فلم تكن غبية فقد أحست أن ياسمين قد أستحوذت على إعجاب أم علاء بها ومن يدري ربما كان علاء أيضا معجبا بها ..
تفننت سناء في المراوغة تحاول جاهدة معرفة ما يجري .. في كل مرة تذهب أم علاء لزيارة زوجة المدير تحاول هي أن تكون في انتظارها لتمطرها
بالأسئلة عنها وعن ابنتهم تلك إلى ان نفذ صبرها يوما فانفجرت باكية وأخبرت أم علاء بكل ما تكنه لابنها من مشاعر ورغبتها أن يكون زوجا لها
هدأت الخالة من روع سناء ووعدتها أن تحاول مع علاء رغم أنها متأكدة أنه لا يفكر في الأمر ..
كل هذا وعلاء في عالم آخر ... فلم يكن يشغل باله حينها سوى العمل وان يرتقي بمنصبه ليصبح المسؤول عن تنظيم الأفواج السياحية والسفر بها حول العالم .. لازال ذلك الحلم الطفولي يحجب عنه النظر لكل ما حوله ...

في منزل المدير

-ألهذه الدرجة أبدو متغيرة ... أنا دائمة النشاط والحيوية يا أمي ..
- لكنك اليوم مشرقة .. ومن عينيك تطل فرحة زادتك حسنا ..
- حقا يا أمي هل أبدو جميلة ...
- طبعا جميلة الجميلات أيضا ... لكن لا تتسرعي في مشاعرك عزيزتي لا نعرف ما يفكر فيه هو فربما كان على علاقة لا ندري بها
- لكنك تستطيعين معرفة ذلك .. اسألي أمه فحسب ..
- بنيتي .. لا لن أفعل هل جننتي .. لا أريد لأم علاء أن تلاحظ شيئا .. حتى يبدي هو رغبته في الزواج منك .. لست ذميمة يا حلوتي حتى تتقربي أنت إليه بل عليه هو أن يتقرب إليك ...
- أمي هو لا يحاول النظر إلي حتى خجول أكثر من اللازم .. أكاد أجزم أنه لم ينظر إلي يوما ..
- ذاك ما زاد إعجابي به حيائه وحسن خلقه عملتان ندُرتا في ايامنا هذه .. كم اتمنى لك زوجا في مثل صفاته مجتهد وخجول ومتدين .. فقد أخبرنا نبينا عليه الصلاة والسلام أنه إن أتانا من رضينا دينه وخلقه فلنزوجه ... لكنه لم يأتينا بعد ..
ختمت الأم جملتها بضحكة مرحة بينما أحست ياسمين بقلق لكلمات امها .. ماذا لو كان هو لا يعبأ بها أصلا
اقترب الموعد فصعدت ياسمين لغرفتها كي تستعد وهي تعد نفسها ان تحاول اكتشاف هذا الكائن الذي لا يهتم بياسمين جميلة الجميلات خاطبت نفسها وهي تتأمل المرآة لكنها سرعان ما تذكرت نصيحة والدتها
أن المبادرة لابد أن تكون منه هو وعليها أن لا تفرط في حيائها أبدا فحياء المرأة تاج على رأسها وهو نصف جمالها كما كانت تردد أمها دائما .. تأنقت ياسمين بعناية وحاولت أن تكون طرحتها التي تغطي رأسها في لون قميصها الزهري مع تنورة سوداء طويلة .. طبعا هي محجبة وطبقا للزي الإسلامي لا يظهر منها إلا كفيها ووجهها الخالي من أية زينة ..
نزلت بسرعة عندما سمعت جرس الباب .. وفتحت الباب وقد ارتسمت على شفتيها ابتسامة رائعة ..
كانت أم علاء بوجهها الصبوح وملامحها الطيبة تحمل بين يديها صحنا كبيرا سلمته لياسمين بعد أن قبلتها بحرارة
-إنها بعض الحلوى أرجو أن تعجبك
- سلمت يداكي يا خالتي ولم أتعبتي نفسك
كانت ياسمين تتكلم وقد تاهت عيناها تبحث عن شخص ما .. وكأن أم علاء قرأت أفكارها
- علاء آت بعد قليل .. لقد مر للمسجد المجاور كي يصلي الظهر..
اطمأنت ياسمين لجواب الخالة ورحبت بها وهي تنادي والدتها ..
- أهلا , أم علاء الغالية مرحبا بك .. ألا تزورينا أبدا دون دعوة ..
- لا أبدا ياعزيزتي .. لا تعلمين كم أفرح بزيارتكم فليس لنا أحد هنا نزوره غيركم .. لكنها الأشغال التي لا تنتهي ..
استمرت المرأتان في الحوار دون توقف بينما ذهبت ياسمين إلى المطبخ وهي تفكر في ذاك المخلوق الذي لم يعد لمثله وجود هذه الأيام وربما كانت هذه أحد أسباب اهتمامها به وهي التي لطالما تضايقت من معاكسات الشباب في كل مكان حتى أنهم لا يحترمون زيها المحتشم .....

description(حيرة قلب ) بقلمي Emptyرد: (حيرة قلب ) بقلمي

more_horiz
الجزء الثالث



سُمع مفتاح الباب يُفتح إنه والد ياسمين برفقة حسام وعلاء .. لم يتوقف والد ياسمين من الترحيب بعلاء وكذالك بأمه التي كات يحب أن يناديها بالطيبة
جلسوا حول المائدة التي امتلأت بأشهى أصناف الطعام فقد تفننت والدة ياسمين وياسمين في تجهيزه ... جلس علاء إلى جانب أبي ياسمين وحسام وجلست النسوة في الجهة المقابلة ...
كعادته دائما أبدا لا يرفع رأسه إلا بحياء شديد ... بينما كانت ياسمين تسترق النظر إليه كلما سنحت لها الفرصة ..
ياه كم هو وسيم بزيه التقليدي لقد انعكس بياض الثوب على بشرته اللامعة لتزيدها إشراقا
يبدو أنه لم يسبق له التدخين فشفتاه الزهريتان تؤكد ذلك .. لماذا لا يرفع رأسه ولو لمرة واحدة حتى أرى ملامحه بوضوح أكبر..
ضحكت ياسمين في نفسها وهي ترى أنها انشغلت عن الكل بعلاء .. فطأطأت رأسها بحياء .. حتى لا ينفضح أمرها
أما علاء فقد اتخدت أفكاره منحى آخر ,, هو الآن قاب قوسين من تحقيق حلمه الأكبر ... السفر.. فقد أخبره مديره أنه سيكون سعيدا لو تسلم هو مهام المعاملات مع وكالات السياحة بالخارج
وذلك بالسفر إليهم والإتفاق معهم .. كاد علاء يرقص فرحا لولى حياءه الشديد واحترامه لهذا الإنسان الذي يكن له الكثير من المحبة والعرفان لقد مهد الطريق أمامه وساعده حين لمس فيه حب عمله وتفانيه فيه .. بعد أسابيع قليلة ستكون أول رحلة لعلاء خارج البلد ... أخيرا سيزور العالم الخارجي ...
لاأحد ممن حوله يدرك في ماذا يفكر الآن .. لأنه يبتسم لحسام وأبيه بين الفينة والأخرى ويجيب عن بعض أسئلتهم باقتضاب ..
مر الوقت سريعا أو هكذا ظنت ياسمين .. سيغادر علاء مع والدها إلى العمل وستبقى أمه بعض الوقت استجابة لإلحاحها الشديد عليها بالبقاء ...
في العمارة جلست سناء في الشرفة ترقب وصول أم علاء بشوق ... كم تكره اليوم الذي يذهبان فيه لبيت المدير.. هي لا تعرف ما يدور هناك .. وتخشى أن يكون قد فات الأوان ووقع ما تخشاه ..
لكن السيدة فاطمة والدة علاء وعدتها أن تكون هي عروسة ابنها وليست ممن يخُلفن الوعود .. آه يمر الوقت بطيئا والهواجس أخذت منها كل مأخذ .. ستحاول أن تتناسى الأمر دخلت لأمها ترجوها أن يخرجا في نزهة .. لكن هذه الأخيرة كانت منشغلة بتحضير بعض الحلوى ..
-لا أظن أني سأنتهي الآن .. لم تخبريني صباحا برغبتك في الخروج كنت أجلت الحلوى ليوم آخر ...
- لا بأس يا أمي ..
قالت بضجر أقلق أمها ..
- مابك .. لم أنت ضجرة هكذا ..
- لاشيء فقط لم أجد ما أتسلى به
-هل السيدة فاطمة في البيت .. إذهبي لزيارتها فأنت تحبين المكوث عندها
-لكنها غير موجودة ذهبت في زيارة
- لمن ؟؟ لا أقارب لهم في هذه المدينة ..
- أصبح لديهم الآن .. وكم أخشى أن يصبحوا أصهارا ..
- ماذا تقصدين ومن هم هؤلاء الأقارب
- إنه مدير علاء في الشركة .. فهو لم يكتفي بأن يكون موظفا لديه يبدو أنه يريد منه شيئا آخر ..
- لست أفهم ما تقولين يبدو أنك لست على ما يرام ..
لم تكن سناء تخفي على أمها شيئا لكنها كانت تخجل من أن تصارحها بمشاعرها نحو علاء فربما تمنعها من زيارة بيتهم ..إلا أنها اليوم تكاد تنفجر وتفرغ كل ما في جعبتها من هواجس ..
تراجعت في آخر لحظة واكتفت بجملتها الأخيرة ..
- تعودت الدردشة مع خالتي فاطمة وكم أضجر عندما تخرج من البيت فهي لم تكن تغادر البيت بدوني
ضحكت أمها وقالت بمكر
- يبدو أني سأغار من فاطمة .. كيف أنها أخذت لب ابنتي بهذه الطريقة ,,
- تغارين ... قالت سناء باستنكار
- أنت أمي الغالية .. التي أحبها بكل جوارحي ...
- هاا وما حكاية فاطمة التي صرتِ لا تودين أن تفاريقينها ..
أحست سناء بما تلمح إليه أمها فأطرقت بخجل وقالت وقد انخفضت نبرة صوتها
-لاشيء يا أمي فقط تعودت عليها ..
يبدو أن أم سناء لم ترد إحراج ابنتها أكثر فقالت بلهجة آمرة
- هيا كفاك دلالا وتعالي ساعديني .. رُصي الحلوى في القوالب .. تعلمي فلن آتي لبيت زوجك كي أطهي لك الحلوى ..
ضحكتا معا وانهمكتا في العمل ..
والدة سناء سيدة طيبة كل سكان العمارة يحترمنها هي لا تتوانى في مساعدة الآخرين عند الحاجة وحتى زوجها والد سناء يشبهها في الطباع لذالك اشتهرا معا بخدمتهما لمن حولهما
وحتى أولادهم الثلاثة سناء وأحمد ورياض يمشون على نفس الدرب لذلك لم يكن أحدا يعترض لكون سناء تساعد السيدة فاطمة في كل شيء وتخدمها بتفان وحب ..


جلست ام علاء تتجاذبها الأفكار هنا وهناك .. تذكرت وعدها لسناء وبريق الإعجاب الذي كان يشع في عيني ياسمين .. ياه كبرت يا علاء وصرت فارس احلام الفتيات ..
ابتسمت بفخر .. وهي تحدث نفسها .. لست أعلم أيهما قد يختار .. كلتاهما شابتان جميلتان وعلى خلق .. لكنه الوحيد الذي يملك القرار في هذا وليس لي في هذا الأمر حيلة...
انتبهت على صوت علاء ... لقد عاد من العمل .. ليملأ الشقة بصوته الرجولي الدافئ .. قبل جبينها بحنان وهو يثرثر كعادته ..
- آه يا امي .. كان يوما عجيبا اليوم .. لقد ذهبت في زيارة لإحدى الشركات الأخرى .. لقد أُعجبوا بأفكاري واقترح علي مديرها أن أعمل معه بضعف راتبي الحالي ..
قطبت أمه بقلق :
- وماذا قررت يا ولدي ..؟؟
- لا طبعا لست جاحدا يا أمي .. لن أترك الرجل الذي ساعدني وفتح لي بيته وقلبه .. لن أتركه إلا إذا أراد هو ذلك ..
ابتسمت الأم باطمئنان
- إذن فقد نجحت في تربيتك يا بني
أخذها علاء في حضنه
- وهل كنت تشكين في ذلك يا أمي .. أنا عبد من أحسن إلي .. وأبو حسام عاملني معاملة خاصة ولم يبخل علي بشيء استقبلني بصدر رحب وصبر علي حتى اصبحت كما ترين .. ولن يكون جزاؤه ان اتركه بعد ان اشتد عضدي ..
- بارك الله فيك يا ولدي ..
بني اود ان نثحادث في أمور كثيرة
- بكل فرح يا غالية لكن دعيني أغير ملابسي وأعود إليك .. هل هناك عشاء لذيذ أم أنك لم تطبخي اليوم يا أم علاء
- العشاء جاهز يا حبيبي .. استعد فقط وسيكون كل شيء على الطاولة
انهمكت ام علاء تحضر المائدة وهي تفكر كيف ستبدأ حديثها مع علاء .. لم تشعر بحيرة يوما كما هي اليوم .. هل ستسأله عن رأيه بسناء أولا أم ياسمين...
تناولا عشائهما في هدوء إلا من بعض النكت والمداعبات التي يمطر بها علاء أمه
انتقلا للشرفة ليتحادثا كما أرادت السيدة فاطمة..
اتخذ علاء مجلسه وهويشجع أمه على البدء في الحديث ..
ضمت فاطمة يديها بثوتر وقالت
- بني اتمنى لو يتم الله نعمته عليك ويرزقك زوجة صالحة تسعدك وتزين حياتك
ابتسم علاء وقد زاغت عيناه خجلا
- في الحقيقة لازلت لا أفكر بالأمر الآن .. لا زال الوقت مبكرا على ذالك ..
- مبكرا .. ؟؟ لم يا بني فقد تجازوت الخامسة والعشرين من عمرك والحمد لله رزقت بعمل وفتح الله عليك فما الذي يؤخرك يا ولدي ..
- أمي .. أنسيتي حلمي منذ كنت صغيرا أن أسافر .. أكتشف العالم .. وأزور كل البلدان التي كنت أسمع عنها .. ولا زلت لم أفعل بعد ..
- لن يمنعك الزواج من السفر مادام ذلك ضمن عملك ..
- أمي أظن أنه لا زال أمامي بعض الوقت .. الزواج مسؤولية وأنا لم أستعد لمثل تلك المسؤوليات بعد
-يبدو انك لا تفكر في امك .. ستسافر وتتركني وحدي .. على الأقل لو تزوجت سأبقى وزوجة إبني ..
ضحك علاء بصوت عال
- هكذا إذن يا أم علاء .. تخشين أن تبقي وحيدة .. لا عليك سأتبدر الأمر .. لكن ليس بالزواج .. لنجد حلا آخر يكون أسهل من هذا
-يا لئيم تتهرب مني بذكاء .. لكني حسمت الأمر ورشحت لك عروستين وعليك اختيار إحداهما
جحظت عينا علاء وهو يتسائل ..
- الأمر جدي يا أمي .. ومن هما ..؟؟
- سناء بنت الجيران أو ياسمين ... لا أظن أنك ستجد في الدنيا أحسن منهن خلقا وجمالا وأدبا ......

أتسعت حدقتا علاء .. وكأنه يحاول استرجاع صورة الفتاتين حتى يقول رأيه .. لكنه ابتسم قائلا:
- آه منك يا أم علاء ... لم أفكر أبدا فيهما بهذه الطريقة .. ربما لأنه ليس في اهتمامي الآن أن أتزوج .. معك حق هما فتاتان رائعتان لكني لم أشعر بأي ميول نحو أيهما ... أمي الغالية أتفهم رغبتك في أن تري أحفادك يملأون البيت لكن اصبري قليلا .. فمازال أمامي الكثير لأحققه قبل أن أقرر الزواج لكن ليس ذلك ببعيد...
- متى يا ولدي أفرح بك وبعروسك ..

- قريبا يا أغلى الناس فاصبري قليلا ... أولا علينا البحث عن منزل أرقى وأجمل من هذا .. تانيا سنغير كل الأثاث وهذا يتطلب وقتا ..
طالت السهرة بين علاء وامه وهو يصف لها بيت احلامه .. و كيف يريد أن يعوضها ما فاتها فقد آن الأوان كي ترتاح وتجني حصاد ما زرعت سنين طويلة
بعد منتصف الليل ودع والدته ليخلد للنوم .. لكن النوم ابى أن يزوره .. تذكر ما قالت أمه عن الفتاتين وابتسم في نفسه ساخرا فهو ابدا لم يفكر فيهما .. سناء فتاة طيبة حنون ترعى أمه باهتمام بالغ .. منذ أن انتقلت وعائلتها للعمارة قبل سنين عدة قد تكون اربعة أو خمسة لا يذكر بالضبط منذ الأسبوع الأول كان يجد سناء لدى أمه .. لكنه لم يشعر اتجاهها بأي انجداب يحترمها كأخت له ولا يراها غير ذلك .. أما ياسمين فقد انبهر بجمالها يوم رآها أول مرة وقد زاد من حسنها ذاك الخمار الذي يلتف حول وجهها البدري هي فعلا رائعة الجمال .. لكن مشاعره لم تتعدى إعجاب بحسن خلق الخلاق العظيم ..
ومن عمق الذاكرة قفزت صورة لفتاة صغيرة تقف عند باب بيتهم القديم حيث كانو يسكنون قبل سنين طويلة هناك في حي المرابطين في المدينة القديمة حيث الشوارع الضيقة و عبق التاريخ يفوح من كل لبنة وحجارة .. أغمض عينيه يحاول تجميع تلك الملامح الصغيرة .. هاهي تقف بحياء قرب الباب تدعوه كي يخرج للعب معها .. لم يتأخر فقد انطلقا يركضان بمرح بين الأزقة الملتوية .. رن صوتها الطفولي بأذنيه
-لا أحب أن أراك تلعب مع فتاة غيري .. أتعدني بذلك ؟؟ تذكر عينيها الواسعتين وهي تضيقهما بشدة متوسلة إليه ..
ياااااه ترى أين أنتِ الآن يا نورا ..
لم تكن المرة الأولى التي يتذكر فيها نورا .. لقد كان طيفها الصغير يزوره كل فترة وفترة وكأنه يصر أن يبقى خالدا بذاكرته ..
استسلم للنوم وخيال نورا الصغيرة لازال يداعبه ..
هناك في المنزل الكبير تقف ياسمين على الشرفة ... منظر النجوم المتناثرة فوق البساط
الأسود يغري بالسهر .. لقد جافاها النوم و تعبت من التقلب في فراشها ... إحساس الأنثى بداخلها يِؤكد أن علاء لا يفكر فيها .. فهو لا يحاول النظر إليها ... ربما هو شديد الخجل ؟؟ لا يمكن لحدس ياسمين أن يخطأ وهي التي تعودت رؤية الإعجاب في عيون كل من رآها .. حين تزور والدها بالشركة وقد صارت تختلق الحجج لذلك كثيرا مؤخرا .. قليلا ما تصادفه في الممر أو في مكتب أبيها .. يسلم عليها ببساطة ثم ينسحب فورا .. لو أنه يهتم لأمرها لقرأت ذلك بسرعة .. لكن ملامحه جامدة وغير معبرة .. أم أن اهتمامه بعمله يملأ كل حواسه حتى أنه لا يلتفت لفتاة في رقة وجمال ياسمين .. تنفست بعمق وهي تفكر في طريقة تجعله يهتم لها أو على الأقل تعرف ما يدرو برأسه .. لقد ملك هذا الرجل عليها جوارحها فلم يعد فكرها يتوقف عن التفكير فيه .. هي متأكدة الآن أن ما يختلج بداخلها نحوه حب حقيقي .. هو الرجل الذي تحلم أن يكون زوجا لها .. هو برزانته وحسن خلقه ووسامة محياه .. لكنها لا تعلم هل في قلبه مكان لها .. أم أنه مشغول بغيرها ...

أسرع علاء الخطى في الممر الطويل متجها لمكتب المدير .. فقد طلب حضوره .. طرق الباب ثم دخل ..
- أهلا علاء .. كيف حالك ؟
خاطبه أبو حسام وهو يرد على ابتسامته بأخرى أكبر
- بخير سيدي والحمد لله ..
- علاء .. لدي خر سار لك ... حان الوقت لتنطلق خارج البلاد .. نحتاجك في مهمة سريعة لمدة يومين فقط .. ستتصل بعملائنا في فرنسا وإسبانيا لتتفق معهم على عدد الأفواج وباقي المعلومات ... عليك الإنطلاق غدا ، فرحلتك ستنطلق على الساعة التانية بعد الظهر .. السكرتيرة ستقدم لك ما تحتاج من أوراق ... هه لابد أنك مسرور لهذه المفاجأة ..
- طبعا سيدي أنا جد مسرور لا أدري بدونك ما كنت سأصل لما وصلت إليه أنا ممتن لك جدا سيدي .. وأملي أن أكون دوما عند حسن ظنك ..
- أنت عند حسن ظني ياعلاء .. ولو أني لم ألمس فيك حبك للعمل وطموحك ما كنت ساعدتك .. أنت تستحق الإهتمام بارك الله فيك يا ولدي ... هيا لا تضيع الوقت عليك الإستعداد لرحلتك .. على بركة الله ...
صافح علاء مديره حرارة وانطلق وبريق عينيه زاد من جمال ملامحه ...
كعادتها دائما تحاول أن تُبقي علاء معها أطول مدة ممكنه .. السكرتيرة الحسناء هي أيضا من المعجبات به .. سألته بدلال :
- تبدو فرحا للغاية ... هل السفر يسعدك لهذه الدرجة ؟؟
- نعم .. كنت أحلم ذلك منذ الصغر ..
- وها قد تحقق حلمك .. هنيئا لك ... لكن احترس فأروبا تعج بالجميلات إياك أن تقع في شباك إحداهن..
ضحك علاء بخجل ...
- إطمئني ... لا مكان لذلك عندي ..
ثم غادر مهرولا بعد أن جمع أوراقه ... وترك ابتسامة ضائعة ترتسم على شفتيها ...
انطلق إلى البيت مسرعا عليه أن يخبر أمه لتفرح كما تزغرد أوصاله هو الآن فرحا ...
ياه ليس الأمر حلما .. سيسافر أخيرا و يتجول في بلاد غير البلاد ويرى عالما غير الذي يعيش فيه ..
أخذ أمه في حضن طويل وهو يزف إليها الخبر ..
- وأخيرا يا أمي الحبيبة .. سأسافر غدا ..
انطلقت من بين شفتيها زغرودة مبحوحة .. وانسابت دموع الفرح
- أتبكي يا أمي ..
- لقد رجوت الله طويلا أن يحقق لك أحلامك .. وهاهو الجواد الكريم ... فله الحمد وله الشكر على فضله وإحسانه ...
- الآن يا أمي سأخرج لأقتني بعض ما سأحتاجه للسفر ... حقيبة صغيرة وبعض الأشياء ..
-في رعاية الله يابني ...
فتح علاء الباب ليجد سناء تقف مادة يدها لتدق الجرس لقد سمعت زغرودة أم علاء وجائت لتستكشف الخبر .. حياها علاء بلطف وأدب ثم أكمل طريقه .. دخلت وقد ارتسمت على ملا محها علامات استفهام قرأتها السيدة فاطمة بسرعة ...
- أعذريني يابنتي قد أزعجتكم زغرودتي المبحوحة ... إنها الفرحة فقد تحقق حلم علاء السفر وغدا أول رحلة له ...
لم تعرف أم علاء أهي خيبة أمل أم أنهاعلامات ارتياح تلك التي ارتسمت على وجه سناء يبدو أ ن الوقت بين الزغرودة و قدومهاكان كافيا لتسرح بأفكارها هنا وهناك ...
ابتسمت وهي تحاول تبرير سبب قدومها ....
لكن أم علاء انطلقت تحكي دون توقف لتعد الحرج عن سناء ...
- آه يا ابنتي ... منذ كان صبيا يرص الوسائد على شكل قطار ثم يسافر بخياله ... مرة يذهب إلى مصر ومرة إلى أمريكا وهو يصف لي شكل المدن والبلدان التي يمر بها قطاره الوهمي .. كان يختزن في ذاكرته الكثير من الأوصاف التي قرأها أو شاهدها على التلفاز ...
كان هوسه السفر شديد جدا لدرجة أنه عندما وصل للسادسة عشر من عمره سيطرت عليه فكرة الهجرة مع من يهاجرون سرا فتملكني الرعب حينها .. كنت أبات ليلي مستيقظة خوفا من أن يتسلل ويرحل دون علمي .. كم بكيت وأنا أرجوه أن يطرد الفكرة من رأسه فلست على استعداد أن أفقده مع من يموتون غرقا ... فهو كل ما أملك في هذا العالم ...
لكنه حبيبي الغالي كان يهدئ من روعي ويعدني أنه لن يخطو خطوة دون أن أكون راضية عنها ... وفقه الله و يسر أمره ...
كانت تلك الدعوات الطيبات هي التي تفتح أبواب الخير أمام علاء .....
في اليوم التالي استيقظ باكرا ليأخذ حمامه و يحضر ما تبقى من احتياجات استعدادا للسفر بعد الظهر ... ضحك كثيرا من أمه التي وجدها بالمطبخ تحضر بعض الكعك .. ليأخذه معه ..
- أمي سأعود بعد يومين فقط لا داعي لأن تتعبي نفسك ..
- أتعب نفسي .. لا أبدا فأنت تحب هذا الكعك وستأخذه معك ..
- أمي العزيزة لن آخذه معي فسأعود قريبا وآكله كله .. حقيبتي صغيرة جدا وقد امتلئت بما يكفي .. كما أنني لن أجد الوقت لأتمتع بتناول كعكك اللذيذ ..
- كما تريد يا بني .. مادمت لن تتأخر .. ولو أني لم أتعود على بعدك ... لا أدري كيف ستمر علي الليلتان القادمتان بدونك ..
- إدعي لي فقط أن ييسر الله أمري ويوفقني ...
- أدعو لك بني في سري وجهري .. ولكن لو أنك متزوج الآن كنت سأبقى وزوجتك فلا أحس بالضجر ..
- أمي .. سناء لن تتركك وحدك .. دعيها تبيت معك إلى حين عودتي ...
- طيب يا بني يسر الله امرك وانار دربك وابعد عنك كل شر يارب ..
- بارك الله فيك يا أمي وأطال عمرك وقدرني على تعويضك ... فأنا مدين بنجاحي لدعواتك ورضاك عني ..
الساعة الواحدة وعليه التوجه الى المطار ...
ودعته أمه بدموع ودعوات ... بينما راقبته سناء من الشرفة وهو يستقل سيارة الأجرة .. لو تستطيع معرفة ما يفكر فيه هذا الرجل .. لكانت ارتاحت و لكنه غامض كالبحر ..
كانت أول مرة يركب فيها علاء الطائرة ... قادته المضيفة لمقعده فجلس بعد أن وضع حقيبته في المكان المخصص لها ... لا يدري كيف يصف إحساسه الآن ولم يبقى إلا دقائق بسيطة على إقلاعها.. تتماوج بداخله مشاعر شتى .. فرحة وبعض الخوف .. فالفرحة ببداية أول رحلة والخوف من هذا الكائن الحديدي الذي سيحمله بعد قليل فوق السحاب ... أخذ يردد دعاء الركوب و قد بدأت رعشة خفيفة تجتاح جسده ...
جاء نداء المضيفة بربط الأحزمة ، معلنة أنطلاق الطائرة .. نفذ علاء الأمر بسرعة ثم انشغل ينظر عبر الزجاج ... أخذت الصور تهرب بسرعة ثم بدأت الطائرة ترتفع شيئا فشيئا ... بدت الأرض بعيدة والناس صاروا أصغر حجما ... وعلاء يعيش اللحظة بكل حواسه .. رغم انه يعرف انها لن تكون آخر مرة لكنها المرة الوحيدة التي تستحق أن تُطبع بين ذكرياته الغالية ...
أغمض عينيه مبتسما مستسلما لأحلامه .. ومن بين الصور قفزت الفتاة الصغيرة وهي تركض بحماس مشيرة للسماء :
- علاء .. علاء .. إنها طائرة .. ما أكبرها .. كم أتمنى أن أركبها يوما لقد وعدني أبي أن نسافر فيها عندما أكبر ..
- أنا أيضا سأركبها أثناء تجولي حول العالم
- هل ستأخذني معك حينها
- طبعا سنسافر معا لن أسافر بدونك
كان صوتها الطفولي يـأتيه من بعيد من عالم غادره منذ سنين طويلة .. لكنه لا زال يلاحقه بدفئه ورخامته ..
نورا كانت تصغره بثلاث سنين .. وكانت تحبه كثيرا فلا تتركه إلا بعد توبيخ امها لها ... أما هو فقد اعتاد أن تكون معه أينما ذهب .. لا يدري ما كانت تعني له في تلك الفترة لكنه لم يكن يتصور تجواله في أزقة المدينة القديمة بدونها .. نورا .. اليوم ركبتُ الطائرة كما حلمنا يوما .. لا أدري أين أنت فكم كنت سأفرح لو أنك معي الآن ... لكني لا أعلم عنك شيئا .. ولا أدري في أي حال أنتِ ..



يتبع....

description(حيرة قلب ) بقلمي Emptyرد: (حيرة قلب ) بقلمي

more_horiz
الجزء الرابع

في إحدى القرى النائية كانت فتاة شابة وجميلة جدا .. تقرأ حروف الهجاء بصوت عال ويردد ورائها تلاميذ صغار ...
ألف .... باء ...
كانت ابتسامتها المشرقة تزين محياها الرقيق ... وهي تصلح نطق هذا وتربت بحنان على كتف آخر ... تبدو حنونة وطيبة لذلك كل الأطفال يحبونها ويستجيبون لأوامرها دون صعوبة تُذكر ...
فتاتنا هاته ترتدي عباءة طويلة تُخفي كل معالم جسمها .. وتلف رأسها بخمار واسع .. لون الخمار الأسود زاد من بياض وصفاء بشرتها ... عينيها واسعتين لونهما يحتار بين البني والذهبي ... وشفتيها في لون التوت الأحمر دون مساحيق أو أصباغ سبحان من صورها .. كاملة الحسن .. بعد تخرجها من مدرسة المعلمين أرسلوها لقرية شمال المدينة التي تقطنها ... وهي مجبرة أن تُمضي ما شاء الله هناك بعيدة عن أهلها وذويها حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا .. لكنها تعرفت على عائلات كثيرة في القرية فرحبوا بها بينهم و أسكنوها معهم لما رأوه من صلاحها وحسن خلقها ناهيك عن جمال محياها ... هي الآن سعيدة في عالمها الجديد تتفانى في تعليم الأطفال و تعليم نساء القرية في وقت فراغها .. بل تحكي لهم عن سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم و قصص الصحابة وتحببهم في شعائر الدين وتوضح لهم ما استطاعت من أمور غابت عنهم ...
هي مؤمنة .. تقية ... لذلك لم يتخلى عنها رب العزة .. فوجدت الأهل و المعاملة الطيبة حتى أنها صارت لا تفكر في النزول إلى المدينة إلا قليلا .. فلديها الكثير لتعمله مع أهل القرية الطيبين ..
كلكم تتسائلون عمن تكون هذه الفتاة .. إنها نورا الصغيرة التي تقفز بين أفكار علاء كل مرة ومرة لتذكره بها ... لأنها بكل بساطة لا تزال تذكره ولم تنساه أبدا .. منذ غادر وأبواه ليسكنوا في الحي الجديد بعيدا عن المدينة القديمة ... بكت كثيرا يوم رحيلهم وترجت علاء أن يأتي لزيارتهم لكنه لم يفعل منذ ذاك اليوم ..
هي أيضا انتقلت مع عائلتها إلى بيت جديد بعد سنتين من رحيل علاء .. لذلك ضاعا عن بعضهما وسط المدينة التي كانت تكبر كل يوم ...


في الحي القديم كان علاء يسكن في أول الزقاق الضيق بينما كانت نورا وعائلتها يسكنون آخره ... بينهما عدة بيوت .. بيت أبو صالح و الحاج مصطفى و ام خديجة وثلاث أسر آخرين .. كانوا نعم الجيران .. يتزاورون ويساعدون بعضهم البعض وكأنهم أسرة واحدة .. أما أولادهم فكانوا يلعبون مع بعضهم طيلة النهار ليتسامروا عند الباب في المساء ... لكن ارتباط علاء بنورا وارتباطها به كان غريبا .. لم تكن تفراقه ولم يكن يتحرك بدونها .. يذهبان إلى المدرسة معا ويعودان معا .. فأم نورا كانت دائما توصي علاء أن يحميها ويعيدها معه .. وهو كان ينفذ الأمر بكل إخلاص .. إلى أن أتى اليوم الحزين وقررت عائلة علاء الرحيل لبيت جديد .. فلم تره بعد ذلك أبدا .. لكنها لازالت تتمنى أن تلتقي به هنا أو هناك .. فعيناها تبحث عنه دائما كلما كانت تتجول في أرجاء المدينة الكبيرة ...




اليوم سيعود علاء من رحلته والسيدة فاطمة وسناء يحضران ما لذ وطاب احتفالا بعودته ..
- لا أدري في أي ساعة ستصل طائرته ..
- بما أنه انطلق من هناك عند الثامنة مساء فسيصل في تمام الواحدة بالضبط ..
- إذن بقي ساعتين لوصول ولدي ..
- نعم يا خالتي ...
- ياه يا ابنتي مر هاذان اليومان كأنهما سنة ... البيت خال من دونه ..
- يبدو أني لم أسد الفراغ يا خالتي ..
- بالعكس يا حبيبتي لولاكي ما كنت أدري ما سيحل بي فقد ملأتِ علي البيت وآنستيني ..
- ما فعلت غير الواجب يا خالة ..
- حبيبتي ... لو تساعديني في تنظيف غرفة علاء أريد أن يجدها في أبهى حلة حين عودته ..
- حسنا يا خالة سأتكفل أنا بذلك واهتمي أنتي بباقي الأكل ...
- بارك الله فيك يا حبيبتي ...
دخلت سناء غرفة علاء لتقوم بتنظيفها وذهبت السيدة فاطمة إلى المطبخ ...
جالت سناء بعينين فاحصتين في أرجاء الغرفة ... كانت بسيطة جدا ومنظمة .. في الوسط سرير لشخصين لا بد وأنه سرير والدته لقد منحته إياه واكتفت هي بلحاف بسيط تنام عليه فلا يوجد بغرفتها سرير .. مكتب قديم لكنه مرتب .. فتحت سناء الأدراج مليئة بالأوراق وبعض مجلات السياحة .. فوق المكتب بعض الكتب والمراجع و مذكرة سوداء ... ترى ما الذي بداخلها .. أخذت منديلا وأخذت تنفض الغبار عن الكتب و عينيها لم تفارقا المذكرة .. فتحتها بخفة والتهمت السطور بشراهة ..
-اليوم أول يوم لي في العمل ..
رفعت الورقة الموالية ..
-كم احبك امي وكم أود أن أسعدك ..
ياه هي محظوظة بهذا الإبن الورقة التالية ..
-لا أدري لما لازلت أتذكرها مع أني لا أعلم حتى كيف هي الآن..
جحظت عينا سناء على الورقة .. من هي هذه التي لا زال يتذكرها ... خفق قلبها شدة
-صوتها لا يفارق أذناي ويدها الصغيرة وهي تضغط على كفي أكاد أشعر بحرارتها ...
ازداد خفقان قلبها وأحست برأسها يدور ...
إذن هو يحب أخرى ... استمرت في القراءة ...
أين أنت يا نورا كيف ضعتي مني وكيف سأصل إليكِ ..
نورا ... اتضحت الرؤيا وكادت سناء أن تقع أرضا ... أعادت المذكرة لمكانها .. وحاولت أن تنظف الغرفة بسرعة .. فهي لم تعد بخير ...
رجتها أم علاء أن تجلس حتى وصول علاء لكنها أبت و قررت الذهاب ..
ما إن أغلقت الباب ورائها حتى انفجرت باكية ... فقد ضاع الأمل في أن يكون علاء لها يوما ..
دخلت غرفتها بسرعة وارتمت على سريرها تبثه أوجاعها ... قلبه مع أخرى .. لكن من هي
وما الذي أبعدها عنه .. أتكون ماتت ... ياليث .. هتفت بحرقة .. لكنه يحلم بالوصول إليها إذن هي على قيد الحياة ... ياربي .. لماذا أحب رجلا قلبه مع غيري .. لم كُتب علي العذاب و المعاناة ...

وصل علاء فلذة كبد أمه .. أخذته في حضن طويل .. كأنه غاب عنها سنة ...
وهتفت والدموع تملأ حدقتيها :
- آه كم اشتقت إليك يا بني .. يبدو أني أنا من ستدفع ضريبة غيابك ...
- لم يا غالية ..
- لا أطيق البيت بدونك يا بني فلم أتعود أن أفارقك ..
- سامحيني يا أمي لكنه العمل أنا أيضا لم أتعود البعد عنك لكن علينا التأقلم .. فالقادمات أكثر يا أمي ..
- سأحاول يا ولدي .. وفقك الله حدثني كيف كانت رحلتك
- رائعة يا أمي ..
وانطلق يحكي ويحكي دون توقف عن كل ما رآه في فرنسا وإسبانيا ... لقد كانت رحلته فعلا رائعة كما أنه أنجز مهامه على أكمل وجه ...
تناول علاء وأمه غدائهما وهما يتحدثان فقد عاد ليملأ البيت مرحا كما انه يريد أن يحكي لأمه كل شيء منذ أن نزل من سلم الطائرة حتى عاد سالما .. وامه كعادتها تصغي باهتمام وسعادة ...
لم ينسى الهدية .. فانطلق لحقيبته يفتحها .. ويخرج ثوبا أنيقا من لونين أبيض ووردي .. وضعه حول رقبتها بحنان ثم أخرج قارورة عطر فرنسي .. ووشاحا أبيض ...
فرحت السيدة فاطمة أيما فرح بهدايا ابنها ... فأخذت تدعو له بحرارة .. حتى سناء كان لها نصيبها فقد بقيت مع أمه طيلة أيام سفره ولم تتركها لحظة وتستحق هدية بسيطة على حسن اهتمامها ..
لم يخرج علاء مساء واكتفي بمهاتفة مديره ليعلمه بوصوله وبنجاح المهمة .. ثم عاد ليتسامر مع أمه التي كانت تضع إبريق الشاي على الطاولة ..
ابتلع علاء ريقه واستجمع شجاعته وقال :
- أمي أتذكرين جيراننا في الحي القديم ..
- طبعا أذكرهم فقد كانوا نعم الجيران ...لماذا .. ؟؟
-تذكرين نورا بنت العم سعيد والسيدة راضية ..
- أذكرهم جميعا ...
- ألم تلتقي بأحدهم منذ أن انتقلنا إلى هنا ؟؟
- الحقيقة لا يا بني .. لكن ما الذي ذكرك بهم .. لقد كنت صغيرا عندما تركنا الحي ..
- كنت في التانية عشرة من عمري قبل وفاة أبي رحمه الله بعامين .. أتذكر جيدا هذه الفترة ..
- لم تكن تفارقك نورا أبدا .. أذكر أن العم سعيد أخبر أباك رحمه الله بتعلق نورا بك .. فرد عليه والدك أن نزوجهما وننتهي ...
ضحكت أم علاء بينما أطرق علاء في تفكير عميق ..
- ما بك بني .. لم أتوقع أنك تذكر نورا تلك .. ثم إننا عندما تركنا الحي كانت صغيرة جدا
- لكني لا زلت أتذكرها يا أمي ..
قالت فاطمة بعجب :
- نورا .. لقد مرت سنين طويلة يا ولدي وهي قد تكون كبرت الآن وربما تزوجت .. من يدري حالها بعد كل هذا الوقت ..
- لا أدري يا أمي صورتها كما تركتها تلازمني أغلب الوقت .. وأتمنى لو أعرف أين هي .. وما أحوالها ..
- هذا جنون أن تفكر في فتاة تركتها قبل سنين وهي لم تتجاوز التاسعة .. عجيب أمرك يا بني ..من يدري هل تذكرك أم لا .. فقد كانت صغيرة جدا وفي سنها لو مات والداها فلن تتذكرهم فكيف تذكر ابن الجيران ...
- ولو أن إحساسي يقول غير ذلك .. لكن معك كل الحق يا أمي ..
فكر قليلا وهو يراقب أمه تصب الشاي وعلامات الإستغراب تغطي وجهها
وعاد ليقول بهدوء ورجاء ..
- لو تزورين الحي القديم يا أمي وتعرفين ما حل هم .. أكون ممتنا لك يا أغلى الناس ..
زادت دهشة الأم .. ما الذي حل بفلذة كبدي .. ما الذي ذكره بطفلة .. ألم تعجبه كل هذه الزهرات التي تحيط به ليفكر في فتاة لم يرها منذ كانت طفلة ..
- هه .. أمي ماذا قلتي ..؟؟
- سأحاول بني .. قريبا سأزورهم .. ولنرى ما سيكون ..
- شكرا لك يا غالية .. كنت أعلم أنك ستساعديني ..
ربتت فاطمة على يدي ابنها مطمئنة .. وقد أخذتها الأفكار يمينا وشمالا ..
قادتها الوساوس لمنحى غريب .. أيكون أحدا ما سحر إبني ؟؟ عقدت حاجبيها للفكرة .. و أخذت ترجو الله أن يسلمه وينجيه من كل شر .. لا لا أحد يكره علاء حتى يِؤذيه .. وهو أيضا لم يؤذي أحدا .. الكل يحبونه ... يارب سلم .. يا رب سلم ..

description(حيرة قلب ) بقلمي Emptyرد: (حيرة قلب ) بقلمي

more_horiz
الجزء الخامس

لم تكن أم علاء اليوم على ما يرام .. قد أقضت الهواجس الغريبة أفكارها .. فهي أبدا لم تدرك يوما تعلق ابنها بتلك الطفلة .. لا زالت تناديها بالطفلة .. فهي لم ترها منذ كانت طفلة تطرق باب بيتها صباحا وتبتسم في وجهها ببراءة ...
- هل علاء موجود يا خالتي ؟؟
تذكرت صوتها الطفولي الرخيم .. وملامحها الجميلة .. فعلا لقد كانت في غاية الجمال .. فلا عجب في تعلق ولدها بها .. يكفي أن يتذكر تلك العينين الذهبيتين ليصر على البحث عنها .. لكن فتاة في مثل جمالها لابد وأنها تزوجت ... ومن يدري ما فعل الزمن بها بعد كل هذه المدة ... هي أيضا أصابها نوع من الشوق الغريب .. عليها أن تعرف ما حل بالفتاة .. وستكون سعيدة لو تصل إليها .. ولم التأخير .. قررت أن تذهب إلى الحي القديم في حينها .. فلازال الوقت على عودة علاء طويلا ..
خرجت السيدة فاطمة وكلها أمل أن تعرف أي شيء عن نورا ...
ترجلت من سيارة الأجرة بباب المدينة القديمة .. وعليها السير على الأقدام داخل الدروب والأزقة .. حتى حي المرابطين .. إنه يقع في أقصى المدينة القديمة .. مرت أمام دكاكين السمارين ولفحت وجهها رائحة الذكريات البعيدة .. كانت تمر من هنا كل صباح ذاهبة إلى السويقة .. ياه لم يتغير شيء هاهو ذا الحاج علي يجلس قرب دكان الأعشاب خاصته .. وقربه إبريقه المعدني ... وهناك عند الجهة المقابلة دكان العم احمد السعاتي .. كل شيء في مكانه وكأنها لم تغادر المدينة يوما ... وصلت لزقاق ضيق منه ستنفذ لحي المرابطين .. إنه عالم فريد لا علاقة له بالتغيرات التي تركض بالعالم الخارجي ...
وصلت أخيرا لباب حي المرابطين .. حيث طارت بها الذكريات لليوم الذي غادروا فيه الحي .. رغم أنها كانت سعيدة بالمسكن الجديد .. لكنها كانت حزينة لفراق جيرانها ... كن يساعدنها في إخراج الأمتعة ليضعنها على ظهر الدواب ... فلم تكن هناك وسيلة لحمل الأثقال بين الإزقة الضيقة غيرها .. ولا زالت ..
مرت بجانب باب بيتها القديم .. فابتسمت وقد جالت بذاكرتها داخل جدرانه ... وصلت لبيت السيدة راضية طرقت الباب بتلك اليد الحديدية المعلقة ... وسرعان ما سمعت صوت أقدام تركض نحوها ..كانت أقدام صبي صغير .. فتح الباب ونظر إليها :
- مرحبا بني ... هل السيدة راضية موجودة ؟؟
- من راضية .. هنا أمي واسمها فاطمة ..
- سامحني بني .. هل أمك موجودة .. نادها أرجوك ..
- حسنا ..
ركض الصبي نحو الداخل ينادي أمه ... فخرجت فاطمة ترى من بالباب .. كانت شابة في مقتبل العمر .. أتكون إحدى قريبات السيدة راضية ..؟؟
- السلام عليك يا ابنتي ..
- وعليكم السلام سيدتي .. بم أخدمك ؟؟
- هل السيدة راضية موجودة ؟؟
- من هي السيدة راضية .. لا يبدو أنك أخطأتي العنوان ..
- لا يا ابنتي كانت تسكن هنا .. على العموم يبدو أنهم انتقلوا من هنا ..
- انتظري لأسأل أم سعاد ..
خرجت لتطرق الباب المقابل وهي تنادي على أم سعاد .. تذكرت أم علاء كيف كانت تتعامل مع جيرانها بدون تكلف .. ويبدو أنهم لا زالوا كما تركتهم متآلفون ويتعاملن بكل مودة وبساطة
خرجت أم سعاد .. وما إن لمحت السيدة فاطمة حتى هرعت إليها مرحبة ...
- أهلا بأم علاء زارتنا البركة ..
نظرت إليها السيدة فاطمة وهي تحاول ان تتذكر هذه الملامح فهي ليست غريبة عنها ..بينما صرخت أم سعاد بفرح :
- أكيد لا تذكريني أنا ابنة العم صالح .. حنان أتتذكرين يا أم علاء ..
كانت تشبه والدتها كثيرا لذلك أخذتها في حضن طويل وهي تسبح الله لشدة الشبه بينهما ...
عرفت أم سعاد أم علاء بالجارة فاطمة .. فهي ساكنة جديدة بالحي .. بعد أن تداول الكثير من السكان على بيت السيدة راضية .. دعتها للدخول وهي لا تزال تردد عبارات الترحيب والشوق ...
وبالداخل تحدثتا عن ذكريات بعيدة و وعن أم حنان التي توفاها الله قبل سنين .. ثم صار بهم الحديث نحو السيدة راضية وأسرتها .. فأخبرتها أنهم غادروا قبل سنين طويلة هم أيضا لكن السيدة راضية لازالت تزور الجيران بين الفينة والأخرى ...


تحت شجرة الزيتون المثقلة .. جلست بعض النسوة يتبادلن أطراف الحديث ... قالت إحداهن متسائلة :
- نورا .. سؤال لا أستطيع أبدا منع نفسي من أن أسأله لكِ ..؟؟
- وما هو إسألي ما شئتي ...
- كيف لفتاة في مثل جمالك تبقى دون زواج .. فالفتيات الجميلات في قبيلتنا يتزوجن ولم يُكملن الخامسة عشرة من عمرهن .. وأنت ما شاء الله آية في الجمال إضافة إلى حسن خلقك وطيبة قلبك .. كيف لا يلاحقك الرجال أينما صرتي ..؟؟؟
أطرقت نورا في خجل وقد توردت وجنتاها ولم تدري بم تجيب .. فبادرت السيدة مشجعة :
- ولم الخجل نحن نسوة مثلك ولا بأس أن تحكي لنا عنك قليلا ..
ابتلعت نورا بعض ريقها وحاولت أن تجد جوابا على سؤال لم تتوقعه .. على الأقل الآن لأنها كثيرا ما كانت توجه إليها مثل هذه الأسئلة ..

- الحقيقة أني لا أريد الخوض في مثل هذه المواضيع .. أنا الآن الإبنة الوحيدة بين صبيين .. والدي مريض ولم يعد باستطاعته العمل بجهد كما كان .. وأخواي لا زالا صغيرين وعليهما أن يكملا دراستهما وأنا المعيلة لعائلتي لن أفكر في الزواج قبل أن أطمئن عليهما وتتحسن صحة والدي .. لذلك أرفض كل عرض زواج أمامي رغم إلحاح أمي وتذمر والدي .. لن أتزوج قبل أن تكون كل أسرتي بخير .. هذا كل ما في الأمر يا غاليات ..
-ولكن قطر الشباب يمضي سريعا .. وعليك أن تفكري في مستقبلك العائلي فالبنت ليس لها غير بيتها .. ثم لا تقولي أنه ليس بالأفق أمير وسيم يداعب أحلامك كل ليلة ..؟؟
ضحكت نورا بملئ فيها ... وقالت بسخرية :
- أمير أحلام ... لا يوجد فأنا أنام كالميتة كلما وضعت رأسي على الوسادة ..
-نعلم أنك تبدلين كل جهدك معنا .. ولا ندري كيف سنجازيك على معروفك هذا .. لم يسبق للقرية أن عرفت معلمة في مثل أخلاقك وتواضعك ...
- كل ما أفعله لأجلكم بدافع حبي لكم ... أنتم أيضا طيبون وتستحقون كل خير .. أنا لم أفتقد بيتي وأهلي رغم بعدي عنهم .. فقد وجدت فيكم الأهل والدفئ والحنان .. سعيدة أنا بكم ومعكم ..
-لكنك ستغادرين إن سنحت لك الفرصة ... هكذا يفعل كل من ارتاد قريتنا .. يظل يبحث عمن يساعده في الإنتقال حتى نتفاجأ برحيله ..
- بالنسبة لي لن أجتهد لطلب ذلك أبدا .. إلا إذا مللتم مني وأردتم رحيلي ...
-ماذا تقولين .. القرية كلها تتحاكى عن الصبية الجميلة التي تساعد الكل وتُعلم كل من احتاج التعليم .. وسيكون يوم رحيلك عنا يوم صعب ..
-الآن لن أرحل .. ولنترك ذلك للزمن فلا ندري .. ما قد يكون ...
إستمر الحديث طويلا .. وبين الحين والآخر كانت نورا تتوه عنهم لبضع دقائق .. إنها تلوم نفسها على كذبتها تلك .. كيف تدعي أنها لا أحد في حياتها .. وهي التي تهيم حبابذاك الفتى ذو الإتني عشر عاما .. لا تدري كيف هو الآن وآخر صورة اختزنتها ذاكرتها له كان لازال صبيا صغيرا .. لكنه لم يكن مثل صبية الحي .. كان حنونا مؤدبا .. يعاملها كطفلته المدللة ... منذ سنين طويلة بعد رحيل علاء وعائلته من الحي القديم ... مسحت دموعها وركضت باتجاه والدتها وسألتها ببراءة
- أمي هل إذا دعوت الله أن يعود علاء إلى الحي سيلبي الله طلبي ..؟؟
أجابتها أمها وهي تدرك حزن صغيرتها ..
- نعم بنيتي سيعود أو تلتقين به يوما .. لكن واظبي على الصلاة في وقتها .. والتزمي بكل أوامر الله ورسوله .. وسيحقق الله كل ما تتمنين ..
من يومها لم تترك نورا فرضا .. ولم تنسى الدعاء كي تلتقي بعلاء ..





عادت أم علاء عند الظهيرة إلى البيت وقد أخذت من حنان عنوان بيت السيدة راضية .. لقد أخبرتها ام سعاد الكثير عنهم .. أخبرتها بمرض زوج السيدة راضية ... وكيف أن الأحوال المادية تدهورت عندهم .. لكن الله أكرم نورا بوظيفة حتى تساعدهم و تتكفل بمصاريف دراسة أخويها .. ولم تنسى أن تعلق على نورا الجميلة التي ترفض كل من أتاها يطلب الزواج .. حتى أنها رفضت ابن أحد أثرياء المدينة .. وكانت تستطيع بزواجها منه أن تنتشل أسرتها مما هم فيه وكذلك ترتاح هي من تعب العمل لكنها عنيدة ورفضت بشدة رغم كل ما حاول إغرائها به ... الكل يتسائل عن سر رفضها ذاك .. ويعتب عليها بشدة وكأنها ممن يضيعن الفرص ...
رغم وجود الكثير مما تحكيه عن أسرة نورا ونورا .. إلا أن أم علاء ... اكتفت بذكر عنوان بيتهم لعلاء الذي أخذ يقبل رأس أمه وقلبه يكاد يتوقف عن النبض ... هي ليست بعيدة عن المنطقة التي يسكنها فكيف لم يلتقي بها أبدا تسائل علاء بصوت عال ..
- لأنها يا بني تعمل خارج المدينة في إحدى القرى النائية .. لقد أصبحت معلمة .. هذا يعني أنها كانت مجتهدة مثلك ..
ابتسم علاء وجوارحه ترقص فرحا .. هي لم تتزوج بعد .. .. ترى هل تتذكره ..
هل تذكر علاء الصبي الصغير الذي كان يجو ب معها حواري المدينة القديمة .. ويلعب معها ويوصلها إلى مدرستها كل يوم .. ويحميها من كل من قد يقترب منها ... لا أدري ... لكنها ما دامت لم تتزوج .. فالأمل كبير أن نلتقي وقد تتذكرني حينها ..



قلت زيارات سناء لبيت علاء .. وحين كانت زورهم تتحجج بانشغالها كي تغادر سرعة .. لاحظت أم علاء ذلك وحاولت معرفة السبب لكن سناء لم تفصح عن شيء ... لكنها فقدت حيويتها ومرحها ولازمت غرفتها أغلب الوقت .. مما جعل أمها تقلق بشأنها .. وتلح عليها لمعرفة ما يحزنها ... لم تقاوم سناء طويلا وهي تحتاج لمن تشكي إليه ما يقض مضجعها وليس في الدنيا من تسمع شكواها وتساعدها مثل أمها .. قصت عليها ما قرأته في مذكرة علاء ذاك اليوم حين كانت تنظف غرفته .. وبكت بحرقة على صدر أمها .. علاء يحب أخرى لا تعلم من تكون .. لكنه مشغول القلب ولا يبالي بوجودها ... تألمت الأم لألم ابنتها .. لكن ما باليد حيلة .. فعلاء لم يعدها بشيء بل كان يعاملها بمنتهى الأدب .. ولم يتعدى حدوده معها أبدا بالعكس .. كان يتجنب الجلوس مع والدته كلما كانت سناء برفقتها يلازم غرفته طيلة الوقت .. عليها أن تنساه و تعيش حياتها فقد كانت مشاعرها من طرف واحد ... ولو أنه خالي البال لكانت صبرت عليه حتى ينتبه لها أو يبادلها مشاعرها تلك .. لكنه مشغول بأخرى ، إذن لاداعي للمزيد من الألم والعذاب فلتنساه ولترجو الله أن يبدلها بأحسن منه ... هذه كانت نصيحة أمها لها .. أما هي فتنهدت بحرقة .. وتمنت لو بيدها أن تمحو صورته من ذاكرتها .. إلى الأبد..

انتهى العام الدراسي .. ونجحت ياسمين بتفوق ... إنها آخر سنة لها في الجامعة .. كانت الفرحة كبيرة والكل مدعو هذا المساء للإحتفال بهذا الحدث السار ... احتار علاء وهو يتسائل عما يمكن أن يقدمه لياسمين كهدية نجاح .. فليس من اللياقة أن يذهب للحفلة بيدين فارغتين ... أما عن أم علاء فقد قضت طيلة اليوم تحضر الحلويات اللذيذة التي كانت تتقنها بجدارة .. وأما علاء فعليه اختيار الهدية المناسبة .. خرج للتسوق و الحيرة ترافقه ... دخل متجرا للحلي والإكسسوارات وجال بنظره يمينا وشمالا لكنه لم يعرف أي هذه الأشياء قد تليق بابنة المدير خرج من المتجر ووقف ينظر لصف الدكاكين المتراصة .. أي هذه قد يجد بها ضالته ... هذا يبيع العطور وآخر للساعات وذاك في آخر الشارع خاص للمناديل النسائية .. قرر أن يستشير إحدى المارات علها تساعده .. استأذن من فتاة أنيقة كانت تقف قرب دكان الساعات ..
- أتسمحين يا آنسة ...
نظرت إليه الصبية باستفهام ..
-نعم ..
- أود شراء هدية لآنسة في مثل سنك هي هدية نجاحها فهلا تساعدينني ولك جزيل الشكر
ابتسمت الفتاة وقالت :
- بكل سرور أخي ...
أومأت إليه أن يتبعها ومشت تبحث عن دكان معين وجدته وسط الدكاكين فدخلت وأشارت له بالدخول .. كان الدكان مكتظا بالنساء والفتيات ويبدو أن به كل ما تحتاجه المرأة عطور و مكياج وهدايا ... سألته الصبية :
- هل هي خطيبتك ..؟؟
- لا هي ابنة مديري وقد دُعيت لحفلة نجاحها واحترت في الهدية المناسبة ..
- حسنا مادامت ليست خطيبتك فالهدية ستكون من نوع خاص .. فقط إن كنت تنوي خطبتها مستقبلا ستكون هديتك هاته كإشارة لذلك ..
- لا لا .. لا أريد أن تشير هديتي لشيء .. أنا فقط خجلت أن أدخل بيتهم بيدين فارغتين ..
- حسنا .. سنرى ما يناسبها ..
أخذت تتجول بعينيها على الرفوف بينما اختار علاء ركنا فارغا و وقف .. شعر بالخجل فالمكان لا يوجد به رجل غير البائع .. تصبب جبينه عرقا وهو يتمنى أن تنتهي هذه المهمة عاجلا ... تنحى بأدب ليفتح الطريق لشبح أسود مر أمامه .. إنها سيدة أو فتاة لا يعلم .. لكنها ترتدي عباءة طويلة سوداء مع خمار أسود وقفازات .. كل شيء أسود لم تترك إلا وجهها الذي لم يره ... أشاح بوجهه عن الشبح الأسود وهو يرى الفتاة تناديه .. اقترب منها فقالت له :
- أتدري أنا أيضا احترت .. لكن مارأيك بهذا الصندوق الموسيقي .. أو هذه المروحة الجميلة .. هي هدايا بسيطة ..
هز رأسه كأنه غير راض عن اختيارها ..
- لكنها هدايا رخيصة ..
- إذن تريد شيئا ثمينا ..
عادت تتجول بين الرفوف ... وعاد علاء لركنه ينتظر .. لكن الركن احتله الشبح الأسود ..
ترنح علاء ... وهو ينظر لشيء أضاء عند قمة الشبح الأسود ..
سبحان الخالق العظيم ....

description(حيرة قلب ) بقلمي Emptyرد: (حيرة قلب ) بقلمي

more_horiz
و هنا احيي قلمك المبدع و الرائع

رواية هادئة و قوية في نفس الوقت

وفي انتظار النهاية ان شاء الله

تقديري لك سيدتي
و

تحاياي

description(حيرة قلب ) بقلمي Emptyرد: (حيرة قلب ) بقلمي

more_horiz
شكرا لك
سيدي
ولمرورك العطر

تسعدني تشجيعاتك
ويمهني أن أعرف ملاحظاتك
وشكرا مرة أخرى

description(حيرة قلب ) بقلمي Emptyرد: (حيرة قلب ) بقلمي

more_horiz

الجزء السادس

ما أجمل داك الوجه الأبيض بعينيه الواسعتين .. ولونهما الذي يقدف بك بعيدا حتى أنك تنسى الزمان والمكان .. لم يستطع غض بصره .. وهو يتأمل ذاك الجمال الرباني .. حري بها أن تخفي جسمها بالسواد ... وكان عليها أن تخفي ذاك البدر المنير حتى تأمن نظرات المتطفلين ..
كانت الفتاة الشبح لا تزال تبحث عن شيء ما بين الرفوف .. ولم تنتبه لذاك الذي تسمرت قدماه بالأرض .. اقتربت الأخرى منه لتُريه ما انتهى له اختيارها .. هذه المرة لم يركز كثيرا أومأ برأسه بالموافقة دون أن يفكر ... تبعها حيث سيدفع ثمن الهدية ويلفها بطريقة جميلة ..
لكن تركيزه بقي عند الركن حيث يقف الشبح ... عندما انتهى علاء شكر الفتاة بشدة على مساعدتها .. وعيناه تتجولان بحثا عن صاحبة الوجه القمري ... لكنه لم يجدها .. لقد غادرت عندما كان يدفع ثمن الهدية ... خرج من الدكان عله يعثر عليها بين الدكاكين الأخرى .. سارع الخطى وهو ينظر داخل الحوانيت .. لا أثر للفتاة الشبح ... لقد اختفت ..
تسائل في نفسه .. هل ما رآه فتاة حقا أم أنه كان في حلم .. لم يستطع العودة للبيت بل أخذ يجوب المدينة بحيرة .. وهو يتسائل إن كان ما رآه حقيقة ...
عاد للبيت بعد أن يأس من وجودها في المدينة .. لكنه كان مشغول البال تماما .. سألته أمه عما اختاره .. فأخبرها أنها حلي جميلة ساعدته فتاة في اختيارها .. جلس في البهو وقد زاغت عيناه و ذهب عقله .. يفكر في الشبح الجميل .. لكن أين .. شيء ما في ملامحها يعرفه جيدا .. لون عينيها ..ذاك اللون لطالما تأمله وتاه في بحوره وهو صغير .. أتكون هي ..
نورا .. لكن وجهها يبدو أجمل بكثير من وجه نورا الصغيرة .. لا الكثيرات لهن نفس لون عينيها .. ليست هي .. نورا كان وجهها نحيلا و ... لكنها كبرت الآن ولابد أنها تغيرت .. احتار علاء وهو يحاول التركيز ... لكنه قطع حبل التفكير وهو يلبي دعوة أمه لتناول طعام الغداء ..
جاء المساء و أستأذنت السيدة فاطمة ابنها أن يوصلها لبيت المدير حتى يحمل معها الحلويات فعليها أن تذهب قبل الجميع حتى ترتب الحلوى مع أم ياسمين .. أما هو فسينتظر حتى توارد الضيوف ...
أوصل أمه .. وذهب يتجول في الشوراع .. وذاك الوجه لا زال يلاحقه .. ترى من تكون .. وأين يمكن أن يجدها .. قادته قدماه لصف الدكاكين .. لم تعد مكتظة كما كانت في الصباح .. عاد أدراجه وهو يضحك من نفسه .. كيف لنظرة واحدة أن تقلب كيانه لهذه الدرجة ... هو حتى لا يدري إن كانت جنا هي أم إنس ..



في بيت المدير .. استقبله والد ياسمين بحفاوة وترحيب .. وأجلسه قربه في الصالة الكبيرة بعد أن عرفه على أخيه وعم زوجته لم يكن هناك الكثير من المدعوين .. فقط أقرب الأقربين وعلاء صار مقربا جدا لأبي ياسمين ويحبه كأحد أبنائه ...
اليوم عيد ياسمين .. لذلك تبدو في أبهى حلة .. جميلة هي في لباسها الأنيق المتناغم
كانت الإبتسامة لا تغادر شفتيها .. خاصة حين يقع بصرها على علاء .. عندما قدم لها هديته .. قال ولسانه يثلعثم خجلا :
- ألف مبروك النجاح يا آنسة ياسمين ..
ردت هي شاكرة :
- شكرا لك ... لم أتعبت نفسك ..
- أتمنى أن تعجبك هديتي المتواضعة ..
- ستعجبني طالما هي من عندك ..
لم يفهم علاء ما كانت ياسمين تود قوله .. لأنه كان لايزال تحت تأُثير العينين الذهبيتين .. ورغم ابتسامته الكبيرة وإصغاءه الشديد لكل من يحدثه إلا أنه كان هناك في ذاك الركن من الدكان يرقب بذهول تلك الفتاة .. ذات الرداء الأسود ..
انتهت الحفلة .. وتنفس علاء الصعداء وهو يساعد أمه على نزول الدرج ..
- كانت حفلة رائعة يا ولدي ..
قالت الأم بسرور :
نعم يا أماه .. حفلة جميلة ..
- أرأيت كم أعجب الضيوف بحلوياتي ... لقد قضيت الأمسية أعطيهن وصفة كل واحدة منها
- حلوياتك رائعة يا أمي ..
-لم أتوقع أن تعجبهم بهذه الطريقة ..
- كيف لا تعجبهم وقد صنعتها أروع أم في الكون ..
- لا تبالغ يا ولدي ..
- لا أبالغ يا أمي .. أنتي أم رائعة وطيبة .. تقومين بكل شيء بحب وعناية فكيف لا يكون جميلا متقنا ..
- بارك الله فيك يا ولدي .. تذكرني بوالدك ... كان يجاملني مثلك ويبالغ في الإعجاب بكل ما أقدمه له ..
- بل كان رجلا ذواقا .. ويعرف أن الله أنعم عليه بزوجة رائعة .. رحمه الله
- رحمة الله عليه .. آه كم اشتقت إليه ..
- أطال الله عمرك يا أمي .. انا أيضا أشتاق إليه ..



بعد انتهاء العام الدراسي عادت نورا إلي المدينة .. وجدت أمها تستعد لحضور زفاف أبنة أختها .. ريم الفتاة التي لم تكمل التاسعة عشرة من عمرها تتزوج من أول شاب يتقدم لخطبتها ... ولن تسلم نورا من تجريح أمها .. وتذمرها الطويل .. كيف لا وهي ترى من هن أقل جمالا من ابنتها يتزوجن وابنتها لا تريد الزواج إلى متى ؟؟؟
صرخت السيدة راضية في وجه ابنتها ..
- أمي أرجوك لكل نصيبه وقدره .. ثم أني لا أرغب الزواج حتى أراكم بخير .. لا أريد لأحد أن يتحكم بي ويحرمني رعايتكم ..
- نحن بخير يا بنتي وأخويك لم يبقى أمامهما الكثير .. وأنا أخشى عليك فألسنة الناس لا ترحم .. كما أن والدك تعب من رد من يطلبونك ..
- أنا لا أخشى الناس ياأمي .. و لم أعنس بعد ..
- ستعنسين لو بقيتي على هذه الحال وستندمين على ما ضيعتي من فرص ..
آه لو أعلم ما يدور في رأسك وما الذي يمنعك من أن تفكري في مستقبلك ..
- لاشيء يا أمي لست أفكر سوى في مستقبل أخوي وأبي المريض .. أريده أن يشفى ويعود كما كان .. وحينها سأتزوج من أول من يطرق بابي ..
توقفت المرأتان عن الجدال لتستعد نورا للخروج .. فأمامها الكثير لتفعله استعدادا لعرس ابنة خالتها... عليها أن تشتري بعض الأغراض التي تخصها و هدية جميلة للعروس ...




حاول علاء النوم .. لكن الشبح الأسود أبى أن يتركه .. أتراها تكون هي نورا ..
تقلب كثيرا في فراشه .. ثم قرر أن يذهب لغرفة أمه ربما تساعده في حل اللغز ..
- أمي .. هل نمتي ..؟؟
- لا بني .. لا زلت أطوي بعض الثياب ..
- أريد أن أحدثك قليلا ..
- تفضل بني .. أنا أصغي ..
- أمي أريد أن أرى نورا .. ولا أدري كيف ..
- يا لهذه الطفلة التي ملكت عقلك .. لم أدرك يوما أنك لا تزال تدكرها ..
- أنا لم أنسها يا أمي ... لكني لم أكن أفهم مايجري بداخلي نحوها
- وعدتك أني سأزورهم قريبا ..
- لكني أريد أن أراها ولو من بعيد ..
- وكيف ذلك ..؟؟
- ستعطيني عنوان بيتهم ..
- هل جننت تريد زيارتهم ..؟؟
- لا .. أريد فقط أن أراها هي ..
- لا أدري ما يجري لك يا بني .. هذا أمر لايصدق .. أن تسيطر عليك الرغبة في رؤية فتاة لم ترها منذ كانت طفلة ..
- أمي لا أعرف كيف أشرح لك الأمر .. لكني اليوم رأيت فتاة تشبهها كثيرا .. في الحقيقة لون عينيها نفس لون عيني نورا .. لكن ملامحها الأخرى لا أدري .. أريد فقط أن أعرف إن كانت هي تلك الفتاة التي رأيت أم أني أتوهم ..
- يا لنورا هاته التي قلبت حالك رأسا على عقب .. بني أنظر حولك ... سناء تحبك بلا حدود وياسمين .. لا ينقصها شيء أبدا رائعة الجمال ومعجبة بك..
- معجبة بي .. وما يُدريكي ..
- أتدري يا بني اليوم أخذت أمها تلمح لي بذلك .. هم يرون فيك الشاب المثالي لإبنتهم وكذلك ياسمين معجبة بك جدا .. و تلائمك دون جدال ... جميلة وذكية ووالدها مديرك ...
- أمي .. قلت لك سابقا أن ياسمين أو أخرى لا يعنوا لي شيئا ..
- تريد فقط تلك الطفلة التي لانعلم كيف صارت الآن ..؟؟
- أمي أرجوك ساعديني .. فكري معي في حل يجعلني أراها ..
فكرت أم علاء باهتمام ثم قالت ..
- سأزورهم قريبا .. ثم أدعوهم لزيارتنا وهكذا سترى صاحبة الحسن والدلال ..
- فكرة رائعة أمي ... لكن متى ستزورينهم ..
- سنرى ... ربما غدا ..
- أحبك أمي ... الان ساذهب لانام ..
- آآه منك يا ولد ...
أخد علاء وسادته في حضنه وابتسامة واسعة احتلت شفتاه وهو يحلم بأميرته .. قريبا سيراها ويعرف هل هي الشبح الأسود أم أنها أخرى ..



كان منهمكا في مراجعة بعض الأوراق بين يديه .. حين أحس بخيال آدمي يقف عند الباب .. كانت ياسمين تستأذنه في الدخول ... وقف بسرعة ليحييها ويرحب بها ..
- أهلا بكِ .. تفضلي بالجلوس ..
- شكرا ..
- كيف حالك وحال الوالدة وحسام .. هل هم بخير ..
- بأفضل حال والحمد لله .. ذهبت لمكتب والدي لكني لم أجده هناك ..
- آه نعم لقد ذهب لإيصال فوج مهم إلى محل إقامته ..
- وهل هذه مهمته ..؟؟
- لا .. فقط تكريما لهذا الوفد سفراء ورجال أعمال أجانب ... وكزيادة للترحيب بهم استقبلهم هذا الصباح بنفسه وسيوصلهم حتى مقر إقامتهم .. كنت معه لكنني عدت لأنه لدينا أشغال كثيرة علينا القيام بها ..
- أبي يمدحك كثيرا .. لقد أصبحت أعز شخص لديه بالشركة ..
- ذلك من كرمه آنسة ياسمين وحسن خلقه .. فأنا مدين له بالكثير ..
- متى سيعود .. لن يتناول طعام الغداء معهم ..؟؟
- لا أظن عليه أن يعود قبل الظهيرة كي يمضي على أوراق مهمة .. لن يتأخر ..
خارج المكتب .. سُمع صراخ و فوضى فخرج علاء و ياسمين لتقصي الأمر ..
- سيد علاء .. مصيبة .. سيد علاء ..
ركض علاء اتجاه الموظف الذي جن جنونه :
- ما بك .. ما الأمر ..
- لقد فجروا مبنى الإقامة ..
- ماذا .. ماذا تقول ..
- نعم .. لقد انفجرت سيارة ملغومة قرب باب الإقامة .. لا نعرف بعد مالذي حدث ..
انتبه علاء لوجود ياسمين التي كانت تقف مصدومة .. لم تتحرك اكتفت بوضع يدها على فمها وعينيها جاحظة بهلع .. أمسك علاء بها وهو ينادي على السكرتيرة ..
- إهتمي بها لحين عودتي ..ياسمين لا تخافي سيكون والدك بخير ..
ركض علاء وبعض الموضفين ليستقلوا سيارة الشركة... وكثر الكلام واللغو لكن علاء كان صامتا يرجو الله في أعماقه أن يكون أبو حسام بخير ..
وصلوا إلى الإقامة كان الناس متجمهرين حول البناية التي يتصاعد منها دخان كثيف ..
سيارات الإسعاف تنقل الجرحى والشرطة تحاصر المكان .. حاول علاء الدخول لكنهم منعوه .. فذهب باتجاه سيارة الإسعاف عله يرى المصابين ويتعرف عليهم .. كان المصاب الأول عامل بالنظافة أصيب بحروق بليغة ... وأحد السفراء الأمريكين ... لكن اآخرين أخرجوهم من المبنى فإصاباتهم طفيفة .. لكن أين أبو حسام .. لا يوجد بأي من سيارات الإسعاف التي تقف هنا .. أرسل بصره إلى الناحية الأخرى فرأى سيارة إسعاف تقف في الناحية الأخرى ..
ركض حول المبنى حتى يستطيع الوصول إليها .. خفق قلبه بشدة .. يا ألله .. إنه أبو حسام .. ابتلع ريقه .. إنه هو .. تلك بدلته الرمادية وذاك الحذاء الذي كان يرتديه هذا الصباح .. ترجى أحد الشرطيين الواقفين هناك كي يسمح له بمرافقة المصاب .. فسأله عن هويته .. وبعد أسئلة كثيرة و إلحاح من علاء سمح له بدخول السيارة .. اقترب علاء من والد حسام يريد أن يعرف هل إصابته بليغة أم لا .. همس يفزع .. ماذا بك سيدي ... ما الذي جرى .. لكنه لا يجيب فقد كان في عالم غير العالم .. تأمل علاء جسده .. فقد كانت البدلة الرمادية مغطاة بالدم إلا من بعض الأطراف .. يا ألله .. هناك شق كبير في رأسه .. ويديه تبدوان وكأنهما مزقتا ... كان المنظر مخيفا .. وعلاء لم يعرف شعورا مثل الذي يشعر به الآن ..

لم يتمالك علاء نفسه فبكى كطفل صغير .. هذا الرجل الطيب الذي احتضنه كإبن له وشجعه وأمسكه زمام شركته .. يصاب بهذه الطريقة .. تململ أبوحسام بألم .. بينما أمسك علاء بيده ..
-سيدي ألف سلامة لك ...
- من ..
-أنا علاء .. سيدي أنت بخير لا تخف ستكون إن شاء الله بخير ..
- بني .. حسام لا يحب الشركة أو العمل بها .. لكنك إبني التاني الذي لم أنجبه ..
- لا تفكر في شيء سيدي ستعود لشركتك ستكون بخير ...
- لست بخير إسمعني فقط ..
- نعم أسمعك سيدي ..
بني الشركة أنت من ستديرها .. أريد المحامي كي أكتب لك توكيل عام حتى تتمكن من توقيع المعاملات .....
- أنا رهن إشارتك سيدي ..فقط ارتاح وكل شيء سيكون على ما يرام ..
- بني .. يبدو أني لن أكون خير أدرك ذلك .. أنا أموت ..
- لا لا يا سيدي أطال الله عمرك ستتعالج وتعود لنا بكامل عافيتك ..
- إسمعني علاء .. لي طلب آخر ..
- وأنا رهن إشارتك سيدي ..
- أحمد الله أني أكلمك الآن .. وصيتي ... علاء ..
- نعم ..
- وصيتي ابنتي ياسمين .. لن أجد لها زوجا مثلك .. تزوجها بني .. حتى أطمئن لمستقبلها و مستقبل الشركة ..
تجمدت الحروف على شفتي علاء .. لكنه أمام رجاء والد حسام لم يجد إلا أن يهدئه ..
- حسنا ... سأفعل كل ما تطلبه مني .. فقط استرخي وارتاح ولا تخشى شيئا .. كل شيء سيكون بخير وستعود لأسرتك سالما بإذن الله ..
أغمض والد حسام عينيه ... وقد ارتاح بعد أن وضع الحمل الثقيل على كتفي علاء ..
وصلوا إلى المستشفى .. فأدخلوه بسرعة كبيرة لغرفة العمليات .. لم يستطع علاء المغادرة فجلس عند الباب علهم يطمئنوه على حالته .. تذكر ياسمين .. فأخرج هاتفه ليحدث الشركة أجابته السكرتيرة :
- نعم
- أنا علاء .. هل ياسمين لازالت هناك ..
- لا لقد ذهبت بعدك للبيت ..
- حسنا ..

- ماذا يجري سيد علاء هل السيد المدير بخير ..
- إنه في غرفة العمليات الآن حالته صعبة جدا ..
- يا ألله .. أي مستشفى
- المستشفى المركزي ..
- سآتي فورا ..
- حسنا ..


قلب علاء الأرقام في هاتفه يبحث عن رقم بيت أي حسام .. رن الهاتف طويلا لا مجيب ..
لكنه سمع أصواتا عند الممر ..
إنهم أسرته كاملة .. وصلوا إليه ليمطروه بالأسئلة .. وحالتهم من الرعب والفزع ما الله به عليم .. أخذ يهدأ حسام .. ويطمئن أم حسام .. وهم يبكون بل ينتحبون ..
مرت ساعات طويلة قبل أن يخرج الدكتور ... ركض إليه علاء ليسأله :
- سيدي هل هو بخير ..
- حالته الآن مستقرة .. ونتمنى أن يكون بخير ..هل أنت إبنه ..؟؟
- لا هاهو أنه .. وأشار لحسام ..
- تعاليا معي ..
ارتفع صوت بكاء ياسمين وأمها .. يبدو أن حالته خطرة ..
- هل تسمح لهما بزيارته ..
- الآن لا .. لم ننتهي بعد ..



تبع علاء وحسام الدكتور لمكتبه .. فدعاهما للجلوس :
- لا أخفيكما الإصابة التي في رأسه صعبة جدا .. إن كتب الله له عمرا فشلله أمر محتم .. لكن يبقى الأمل في الله كبيرا جدا .. الآن حالته مستقرة سيستفيق من تأثير المخدر بعد ساعة .. حينها يمكنكم زيارته ... لكن أرجو أن لا تجعلوه يبدل أي مجهود ..
لم يجد علاء ما يقوله فقد ألجمته الصدمة .. بينما انفجر حسام في بكاء طويل ..
خرجا للمر حيث ركضت المرأتان إليهما ..
- مابه .. هل هو بخير ..
تحجرت الحروف في شفتي علاء ولم ينطق إلا بصعوة بالغة ..
- هو بخير .. سيتعافي بإذن الله ..
لكن نحيب حسام يوحي بغير ذلك ..
ضمه علاء إليه .. وهو يردد
- سيتعافى بإذن الله ...
اكتظ الممر بموظفين الشركة الذين جائوا ليطمئنوا على مديرهم .. وبما أن زيارته غير مسموح بها الآن .. غادروا ليعودوا في وقت لاحق ..


لم يعد علاء للبيت عند الظهيرة .. فأدركت أمه أنه مشغول جدا ولن يعود حتى المساء كما عودها حين يكون لديه مهام كثيرة .. بعد الظهيرة خرجت لتزور بيت السيدة راضية كما وعدته .. استقلت سيارة أجرة و أعطته عنوان البيت ليتكفل هو بالبحث عنه .. لم يكن بعيدا جدا فسرعان ما توقف عند بيت صغير مكون من طابقين وأشار لها أنه رقم البيت المقصود ..
ترجلت من السيارة ... وهي تتسائل إن كانوا يسكنون الطابق الأرضي أم الذي يعلوه .. دفعت الأجرة لصاحبها شاكرة .. ثم رنت جرس الطابق الأرضي ...
فُتح الباب كان صبي في الثامنة عشرة من عمره ..سألها عمن تكون .. فأجابته أنها جارة قديمة .. ذهب لينادي أمه ...
ما أن رأتها السيدة راضية حتى انفرجت أساريرها فرحة .. فتعانقا طويلا ..
دخلت أم علاء البيت .. كان بسيطا .. أثاثه قديم بعض الشيء لكنه نظيف ومنظم .. جلست السيدتان تتذكران الجيرة القديمة وكيف فرقتهما الصروف .. وسألتها أم علاء عن نورا والصبيين ..
- نورا معلمة الآن .. لقد كبرت وصارت عروسا جميلة .. والأولاد لا زالوا يدرسون محمد بالثانوي وعلي بأولى جامعة ... أملنا أن يكونوا بخير .. ونرتاحوا من همهم .. وأنت يا أم علاء كيف هو علاء ..
- بخير يا غالية .. إنه موظف بشركة للسياحة .. الحمد لله لقد عوض الله صبري خيرا .. هو الآن كما تتمنى كل أم لإبنها .. و رب العالمين يريك ما يسرك في ابنيك باركهما الله وحفظهم ..
- وحفظك الله يا طيبة .. سأنادي على نورا لتسلم عليك .. إنها في الطابق العلوي .. كم ستفرح لرؤيتك .. أتذكرين يا أم علاء كيف كانت تلتصق بعلاء طيلة النهار ..
- آه نعم أذكر .. كان يفرقهما الليل فقط . .. سبحان الله كم تجري الأيام بنا ..
- سبحانه .. سأناديها .. عن إذنك
- إذنك معك يا غالية ..
يبدو أن الطابقين لهما لمَ قالت لي أم سعاد أنهما فقراء .. من يملك بيتا في زمننا هذا قد أغناه الله .. همست أم علاء في سرها ..
عادت السيدة راضية للغرفة وهي تردد عبارات الترحيب بأم علاء ..
- ستأتي حالا .. سترين كيف أصبحت نورا ... لقد تغيرت كثيرا .. أصبحت ما شاء الله غاية في الجمال .. لكنها تُتعبني سامحها الله ...
- ولم يا راضية ..
- إنها ترد كل من خطبها .. ولا تريد الزواج .. أخشى أن يتوقف خطابها ويعود عليها رفضها هذا بالحسرة والندامة ..
- دعيها يا راضية لا زالت صغيرة .. ونصيبها سيأتيها حين يريد الله ..
أشرقت الغرفة بدخول بدر منير إليها .. رفعت أم علاء عينيها لترى صبية سبحان الخلاق .. لم تكن هنا ترتدي حجابها .. بل تركت خصلات شعر في سواد الليل تنزل بإهمال على جبينها الشديد البياض .. وتلك العيون سبحان من صور وأبدع لونهما عسل صافي في لون الذهب ..
- تبارك الله فيما خلق ..
ضمتها إليها تقبلها ولسانها يلهج بالتسبيح إعجابا بهذا الجمال الرائع ..
أجلستها بجانبها .. وهي تزيح خصلات الشعر السوداء عن جبينها الأزهر ..
- ياه يا بنيتي كبُرت .. وأصبحت كاملة الحسن والبهاء ..
- شكرا يا خالتي .. عيونك أجمل ..
- ياه .. أتذكرك تطرقين بابي ,, هل علاء موزود يا خالتي ..
أطرقت نورا حياء ... هي أيام لن تُنسى .. أتذكرينني يا ابنتي ..
هزت رأسها بخجل ..
- نعم أذكرك يا خالة ..
نورا كانت ترتجف بين يدي أم علاء كريشة في مهب الريح .. ولو أن أم علاء ركزت قليلا لأحست بقلبها الذي يكاد يقفز من بين ضلعيها .. هي لا تدري ما الشعور الذي تحسه الآن أهو شدة الفرح أم أنه زلزال اجتاح صدرها .. أخيرا يا خالة بعد صبر طويل .. كدت أن أيأس من رؤيتكم مرة أخرى ... ترى مالذي ذكرها بنا بعد كل هذه السنين ..

description(حيرة قلب ) بقلمي Emptyرد: (حيرة قلب ) بقلمي

more_horiz
الجزء السابع




لم تترك أم علاء السيدة راضية إلا بعد أن قطعت عليها عهدا بزيارتها في أقرب وقت .. فتركت لها رقم هاتف البيت والعنوان وودعتهم على أمل اللقاء قريبا ..
عادت عند المساء .. لكن علاء لم يعد بعد ... لم يتعود التأخر كثيرا .. إنها السابعة مساء
والشركة تقفل عند السادسة خير اللهم اجعله خير.. طمأنت نفسها و جلست تتحدث وتبتسم .. ياه عجيب أمر علاء ونورا .. يبدو أنها أيضا لازالت تنتظره .. إنها جميلة جدا .. عيناها الواسعتين .. كانتا تحكي الكثير .. لقد أحسست بها وهي ترتعد بين يدي لشدة المفاجأة .. هي كانت سعيدة جدا برؤيتي .. وكأنها كانت تنتظر مجيئي إليهم يوما ... عجيب أمرها كيف لم تنساه بعد كل هذه السنين ..؟؟ كيف لازالت تتذكره .. وهو أيضا لازال يذكرها ...
كانت أم علاء تسبح في هواجسها حين سمعت مفتاح الباب لقد عاد علاء .. وسيكون مسرورا لما تحمله له من أخبار ..
استقبلته بابتسامة جميلة سرعان ما اختفت حين رأت شحوب وجهه ..
- ما بك بني .. هل أنت مريض ..
- ارتمى علاء في حضن أمه كطفل صغير وبكى بحرقة ..
- مابك يا ولدي .. أخبرني .. ما الذي جرى ..
من بين الدموع ويديه ترتعش أخذ يحكي ما حصل لأبي حسام .. وكيف أنه الآن في المستشفى بين الحياة والموت .. لقد استفاق من التخدير قبل ساعة .. فسمح لهم الطبيب بزيارته .. كانت عيناه تتعلق به كرجل يائس .. بعد أن ابتسم لزوجته وولديه .. نادى على علاء .. وأعاد ما قاله له في سيارة الإسعاف وهذه المرة كان يرجوه ..حتى هز علاء رأسه موافقا ويده تربت بحرارة على يديه ... أشار لأبنته أن تقترب .. كانت ترتجف من الحزن على والدها .. سألها هذا الأخير بصوت واهن :
- علاء يريدك زوجة له .. فما رأيكِ؟؟
كانت الأرض تميد بعلاء .. ويكاد يُغشى عليه من هول ما يجري حوله .. لكن والحال على ما هي عليه .. لاأحد يدري ما يختلج في صدره ..
أجابت الفتاة بدهشة :
- أبي .. ليس بعد أن تشفى ...
أشار بيديه معترضا على ما ستقول ...
- أسألك فأجيبي .. لا وقت نضيعه .. أريد أن أموت وأنا مرتاح ..
- ليكن ما ترى يا أبي ..
أجابت منتحبة ودموعها تبلل صدر أبيها ..

ابتسم أبو حسام ابتسامة من وضع عبئا عن كاهله .. لقد ترك شركته وابنته بين يدين أمينتين .. لقد كان مقتنعا تماما أن الله أرسل له هذا الشاب منقذا لأسرته ..
أستسلم لنوم عميق وابتسامة ترتسم فوق شفتيه .. ولا أحد يدري أستكون آخر عهده بالحياة أم أنه يحتضر ..
ترك علاء ياسمين وأسرتها بالمستشفى .. وعاد للبيت حتى يخبر أمه ويغير ملابسه .. ثم يعود إليهم فمن اليوم صار مسؤولا عن عائلة أبي حسام وعليه أن يكون بقربهم ..
شُل لسان أم علاء ولم تجد ما تقول .. لكنها أحست بالحزن يقطع أحشائها .. فقد أُعدم حلم علاء يوم وُلد .. ويبدو أن الأقدار لم تشأ لحبه أن يرى النور ..
عادا معا إلى المستشفى .. ليجدوا أم ياسمين وولديها في حالة هستيرية من الحزن والأسى .. فحالة أبي حسام حرجة جدا .. و كل الإشارات تشير أنه في النزع الأخير ...



************************************


نورا كانت تعيش أسعد أيام حياتها .. لقد تحقق المستحيل أخيرا وسترى علاء .. لكنها لم تعد تلك الطفلة الصغيرة .. هي الآن شابة في كامل أنوثتها .. وعليها أن تراعي مبادئ دينها
داعبتها مشاهد كثيرة .. كلها تحمل له نفس الصورة وهو صبي صغير .. أخذت تذكر نفسها كل حين أنه أصبح شابا ... لكنها لا تعرف كيف صار الآن .. مهما كان .. فسيبقى هو علاء في رقته ولطفه .. وحنوه عليها ودفئ مشاعره

عاد علاء وأمه من المستشفى في ساعة متأخرة .. توضأ للصلاة فهو لم يصلي طيلة اليوم .. وما إن اتجه للقبلة حتى فاضت دموعه فخرجت الحروف متحشرجة .. لم يستطع وهو يقف بين يدي ملك الملوك إلا أن يبكي ويبكي عل الله يزيح عنه بعض ما يجد .. فالهم الذي ألقي على كاهله كبير ... وسيغير مجرى حياته بأكملها .. سبحان الله .. تذكر كم كان يعارض أمه وهي تمدح في ياسمين وجمالها .. وكيف ستصبح الآن زوجته .. هي مشيئة الله .. وهو وحده العالم بما كان وسيكون .. سمعت أمه نحيبه .. فدخلت عليه غرفته وجلست قربه تبكي لبكائه وتدعو الله أن يفرج همه ..
لم تعد تستطيع أن تخبره عن زيارتها لبيت السيدة راضية .. فقد تزيد من حزنه ..
إنتهى علاء من صلاته ودعى الله بدموع خاشعة أن يشفي أبو حسام .. حتى يستطيع التحرر من هذا الثقل الذي أوهن كاهله قبل أن يحمله ..
اقتربت أمه منه ... لتأخذه في حضنها وهي تردد .. قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا ...
- أمي أتعتقدين أنه قد يشفى ...
- ربك على كل شيء قدير يا ولدي ..
- آه ... يا أمي لم أتوقع أن يختارني أنا بالذات للزواج من ابنته ..
- لا بأس يا بني .. هي فتاة لا يعيبها شيء .. والخيرة في ما اختاره الله ..
- ونورا يا أمي ...
ثم تنبه لما كانت قد وعدته من أمر زيارتها .. فسألها بلهفة ..
- هل زرتهم يا أماه ..
هزت رأسها إيجابا وملامح الأسى تملأ وجهها ..
- وماذا .. لم تقابلي نورا ..
- بلى .. قابلتها ...
اتسعت عينا علاء بدهشة وكأنه قد نسي كل ما كان ليمطر أمه بأسئلة لا نهاية لها ..
- كيف هي .. هل كبرت ..
أجابته أمه والدموع تملأ مقلتيها ... أخبرته أنها جميلة مؤدبة ولم تزد على ذلك ..فهي لا تريد أن يتعلق بها ابنها أكثر خاصة لما استجد من أحداث .. لكن علاء على رغم من اقتضاب أجوبتها كان سعيدا لكونه سيراها أخيرا ... فقد أخبرته أنهن سيزرنها قريبا ..
لم يستطع علاء النوم تلك الليلة قد كانت الكوايس رفيقته طيلة لحظات نومه .. حتى أنه قرر أن يغادر فراشه باكرا .. فلم يعد النوم يريحه ...

مر أسبوع على علاء .. وهو يتأرجح بين المستشفى ومنزل ياسمين ومنزله ... فقد كانت أمه تبيت معهم بينما كان يعود هو لمنزله آخر النهار ...
حالة أبي حسام استقرت قبل يومين .. وبشرهم الطبيب باستجابته للعلاج .. لكن أطرافه لا تتحرك .. ..
اليوم عادت أم علاء للبيت كي تنظفه قليلا بعد أن اطمأنت على أم ياسمين .. المسكينة تكاد تجن من الحزن على زوجها .. وهي ترجو الله ليل نهار أن يشفيه .. ويطيل عمره .. أما ياسمين وحسام .. فكان الأمر شديدا عليهما لشدة تعلقهما بأبيهما .. لكنهما يتفائلان خيرا خاصة بعد أن طمأنهم الدكتور ..
رن جرس الهاتف ببيت علاء .. فردت أم علاء ببرود :
- من معي ..؟؟
- أنا راضية .. كيف حالك يا أم علاء ..
- آه راضية حبيبتي ... بخير يا غالية والحمد لله .. كيف حالك وحال الأولاد ..
- كلهم بخير .. أين كنت منذ يومين نحاول الإتصال بك .. لكن لايرد أحد ..
- آه .. يا غالية لقد كنا مشغولين جدا هذا الأسبوع .. أسمعت بانفجار الذي وقع وسط المدينة ..
- نعم سمعت ..
- لقد كان مدير الشركة التي يعمل فيها إبني هناك .. المسكين .. إنه الآن في المستشفى بين الحياة والموت .. وانا كنت ألازم عائلته .. لذلك لم أكن بالمنزل ..
- لا حول ولا قوة إلا الله .. لاندري إلى أين سيقودوننا هؤلاء المتهورون ..
- كتب الله وماشاء فعل .. الحمد لله على كل حال ..
- إذن لن تكوني في البيت هذه الأيام ..
- لا .. اخبريني فقط بموعد زيارتكم ولن أغادر .. رؤيتكم ستسر قلبي ياغالية ..
- إذن سنزورك في المساء أنا ونورا .. نراك ونتعرف على المنزل ..
- أهلا وسهلا بكما .. سأنتظركم بكل شوق ..
انتهت المكالمة بتحية طويلة .. وتاهت أم علاء في بحر الأفكار ...
ياه ما أتعسك يا بني .. أنا متأكدة أن رؤيتها ستزيد من ألمه .. لا أدري ما أفعل .. أأكتم عليه مجيئهم .. أم أخبره وأمري وأمره إلى الله .. أدركت أن الأشغال كتيرة وعليها أن تستعد لأستقالهم .. فقررت أن تدعو سناء لمساعدتها ..
لبت هذه الأخيرة النداء بسرعة .. فهي لا تستطيع رد نداء أم علاء أبدا .. رغم أن زياراتها قلت مؤخرا .. لكنها لا تستطيع تضييع فرصةٍ ترى فيها علاء ولو من بعيد .. فلا زال قلبها يخفق بشدة كلما قابل وجهه وجهها ...
عند الظهيرة عاد علاء من العمل .. ليجد أمه منهمكة في المطبخ ومعها سناء .. فأخبرته بقدوم ضيوف عليهم .. كان متجها نحو غرفته .. لكنه استدار بسرعة ليقف بباب المطبخ متسائلا ..
- أمي .. هل هي السيدة راضية ونورا ..
- نعم بني .. لقد اتصلت راضية صباحا لتخبرني بزيارتهم اليوم ..
ارتسمت الفرحة على أسارير علاء وقال بحماس :
- لا تتعبي نفسك .. سأذهب لشراء كل ما تحتاجين إليه ..
- لا يا بني .. لقد انتهيت .. كل شيء صار جاهزا .. لكن .. عليك الذهاب إلى المستشفى والإطمئنان على أم حسام ..
- سأفعل حالا .. وسأمر على الشركة لإتمام بعض المهام .. لكني لن أتأخر ...
ثم ركض مسرعا ..
لا أحد انتبه .. لسناء التي أخذت الأواني ترتعش لإرتعاشها .. كانت تعلم أن ضيوفا سيزورون أم علاء .. لكنها ما إن سمعت إسم نورا ... حتى تثلجت أطرافها .. إنها هي .. تلك التي يناجيها في مذكرته .. آآآه .. حاولت أن تبدو هادئة رغم الشحوب الذي غطى وجهها ..



لقد عثر على محبوبته أخيرا ... وستزوره اليوم .. أي أن الأمل ضاع نهائيا وبدون رجعة ...
حاولت أن تقنع نفسها بكونها سعيدة لأجله .. فهي تحبه وتتمنى له السعادة من كل قلبها ... لكن الإحساس بأنه لن يكون لها لها إحساس مؤلم وصعب ..
بعد صلاة العصر بوقت قصير .... دق جرس الباب .. لقد جاء الضيوف ... ابتسمت أم علاء وهي تخبر سناء :
- لقد وصل الضيوف ..
رغم أنهم انتهوا منذ زمن إلا أن سناء أرادت أن تتعرف على الفتاة التي سلبت لب حبيبها ...
بعد السلام الحار والقبلات دخلوا غرفة الجلوس ... عرفتهم أم علاء ببعض ثم جلسوا ..
أحست سناء بدوار بسيط وهي تتأمل تلك العينين الذهبيتين ... قد أدركت أن غريمتها شديدة الجمال .. ويحق لعلاء أن يهيم بها حبا ..
سُمع مفتاح الباب .. فهتفت أم علاء :
- لابد أنه علاء ..
لقد كان هو .. استقبلته أمه عند الباب حتى تعلمه بوجود الضيوف .. دخلت وهي تقدمه لهما مبتسمة :
- هاهو علاء ... بني العزيز .. أدخل يا بني إنها السيدة راضية وابنتها ..
- أهلا وسهلا ..
قبل ان يتجه بنظره لنورا .. حاول أن ينشغل بالسلام بحرارة على أمها .. التي هللت بإعجاب :
- ما شاء الله لا قوة إلا بالله .. كم أصبحت شابا وسيما يا علاء ..
ابتسم لها بخجل ثم انتقل بنظره للشبح الواقف قربها .. إنها هي .. صاحبة الرداء الأسود ..
زغردت كل جوارحه فرحا وهو يحيي الفتاة التي اضطربت حركاتها حياء .. هي لم تمد يدها للمصافحة .. لذلك اكتفى بانحناءة بسيطة ونظرة خجلة .. أخدت السيدتان تثرثران عن ذكريات بعيدة .. بينما انتاب صمت أخرس الشابين .. لم ترفع نورا رأسها منذ حياها ... لكنه لم يستطع منع عينيه من النظر إليها بإعجاب ظاهر .. انشغلت السيدتان بسرد القصص الماضية بينما كانت هناك عينين تراقبان الفتى والفتاة بملامح جامدة ..
لقد أدركت سناء أن ما بينهما شيء أكبر وأسمى من مشاعر عادية .. لقد قرأت قصة من أروع القصص بين عينين يهيمان ببعضهما .. من الظلم أن يكون مصير هذا الحب غير الزواج ..
غادرت الغرفة إلى المطخ مستأذنة بأدب ... وهناك انسابت دموع ساخنة ... لكنها سرعان ما مسحت دموعها .. وهي تهتف بالدعاء لعلاء بالسعادة طول العمر ..
أما عن عروسينا قد كان حديث قلبيهما يكاد يسمعه الحاضرون ..
كانت تعاتبه لأنه لم يبحث عنها .. وكان يلوم نفسه لأنه لم يقرر البحث عنها إلا مؤخرا ..
نسي علاء كل ما كان من أحداث رهيبة فقد أقنع نفسه بعد تفكير مستميت أنه سينتظر حتى تتحسن حالة أبو حسام كي يعتذر له عن الزواج .. وصمم على رأيه .. وأقفل الموضوع بينه وبين نفسه .. فهو لن يستطيع أبدا إسعاد ياسمين .. كما أنها تستحق زوجا يحبها ... فهي كما قالت أم علاء لا يعيبها شيء.. لكن ما سيكون يعلمه الله وحده ..
استأذنت أم علاء لتذهب إلى المطبخ ... فتبعتها السيدة راضية ضاحكة:
- خذيني معك ..
كان جليا أنها تريد أن يبقى علاء ونورا لوحدهما .. فقد كان واضحا أن نورا كانت في قمة سعادتها يوم زيارة أم علاء لهم .. ولأنها تعرف ابنتها جيدا أدركت أنه هو من كان يمنعها من التفكير في الزواج وليس أي سبب آخر .. فقد كان ارتباطها به في الصغر كبير جدا .. كما أنها لم تنسى يوم رحيلهم وحزن ابنتها الشديد ..
بقي الإثنان في الغرفة .. وقد أطبق عليهم الصمت .. خروج السيدة راضية .. شجع علاء كي يتأمل شبحها الجميل ... كانت عبائتها الواسعة تخفي كل معالم جسمها .. ما عدا ذاك الوجه البدري ... تأمله بذهول ثم نطق دون وعي :
- ما أجملك .. يا نورا ..
- اشتدت حمرة وجنتيها من هول الموقف وتسارعت دقات قلبها .. وكادت تفقد إدراكها .. فقلبها لا يتحمل كل هذه السعادة .. استمر علاء يتكلم بصوت هامس :
- لو كان الأمر بيدي .. ما كنت فارقتك لحظة واحدة .. ولكنت رأيتك تكبرين أمام عيني ..
لكني كنت صغيرا ولم أدرك معنى مشاعري آن ذاك ..
اكتفت هي بنظرة خجولة .. كانت عيناها تشع ببريق غريب .. زاد من جمال محياها .. وزاد من حسرة علاء على الأيام التي مرت دون أن تكون نورا فيها ...




سألها بصوت هامس :
- نورا هل انتظرتيني كما انتظرتكِ ؟؟
شردت بعينيها بعيدا .. فقد ظنت أن نظراتها قد حكت كل شيء .. وأن على جبينها كُتبت قصة حبها له .. لم تجد ما تقول .. فقد تاهت عنها الكلمات .. ماذا ستخبره ؟؟ عن دعائها عند كل صلاة بأن يجمعهما الله يوما .. عن رجائها لربها أن لا تكون لغيره أبدا .. عن تضرعها والناس نيام .. أن يكتبه الله لها زوجا .. ياااه يا علاء .. وتسألني عن هم رافقني طول سنين غيابك .. إسأل حيطان غرفتي لتحكي لك عن أحلامي بك .. واسأل عيني التي كانت تراك في كل مكان .. واسأل جوارحي التي كانت تتمزق كل يوم شوقا إليك ..
نظرت إليه بشجاعة حركتها الذكريات .. وقالت بصوت مبحوح :
- نعم .. انتظرتك ..
كلمات كانت كافية ليقف علاء من مكانه .. ويضم يدا بيد . .. فقد ضيعت الفرحة مسار تفكيره .. وفقد تركيزه بل ورزانته .. تمنى لو ضمها إليه .. لكن ثوبها الأسود المنسدل بوقار على جسمها جعله يدرس كل حركة ينوي القيام بها .. وفجأة .. وهو يسبح في عالمه جميل .. تذكر الرجل الطيب .. الذي أهداه ثقته وحبه وابنته عن طيب خاطر .. تذكره وهو يتوسل إليه أن يكون كما يظنه .. وأن لا يخذله .. وتذكر قراره بأن لا يتزوج ابنته .. وأظلم وجهه فجأة .. كأنما الشيطان استخسر عليه فرحته وسعادة قلبه .. ليصور له الواقع المرير أمام عينيه .. ويذكره بالعهد الذي قطعه على نفسه .. دون إرادته ..
ارتمى على مقعده وقد اكفهرت ملامحه ... ونظر إليها بحنان ووجهه يكاد يكون عابسا ..
لم تفهم هي ما يجري .. لكنها أحست بقلبها الذي لم يفارقه وروحها التي كانت تحوم حوله أن هناك خطب ما .. جالت بفكرها تلك الظنون التي كانت تزعجها كل مرة .. ظنونها بوجود فتيات كثيرات في حياته ... أو ربما يكون على علاقة حب بإحداهن .. هو كما ظنت شاب وسيم و حتى لو كان صالحا فلابد أن يفكر في الزواج .. لابد أنه تذكر قصة من قصصه ..
أطرقت بحزن وقالت بصوت ضعيف :
- أدرك أنك شاب في مقتبل العمر ولا ينقصك شيء.. لتكون لك حياتك العاطفية الخاصة بك .. وأنا ظهرت في حياتك فجأة بعد أن كنت تظن أنك لن تراني مجددا .. لن أقف في طريقك ..
صرخ دون شعور فقد فقهم ما الذي جال بخاطرها :
- لا .. ليس لدي حياة عاطفية .. أنا لم أشغل بالي بتلك التفاهات أبدا .. ويوم فكرت في ذلك .. كانت صورتك أول ما داعب خيالي .. لكن وقع ما لم أتصور وقوعه .. قصة غريبة تدخلت على غفلة مني لتغير مجرى أحلامي ... صدقيني نورا لم أكن يوما لغيرك .. لكنني اليوم أمام مصيبة لا أدري لها حلا ...
تعالت ضحكات السيدات خارجا .. معلنين قدومهن للغرفة ..
لاحظت أم علاء الحزن الذي اكتسى وجه ابنها .. والحيرة التي لفت ملامح نورا .. لكن تساؤلها لم يطل فسرعان ما خاطبها علاء قائلا :
- أمي .. أريدك أن تحكي كل ما جرى مع أبي حسام من الألف إلى الياء لنورا .. ولتفكر على مهلها ..
ثم خرج تاركا الكل في حيرة وتساؤل ..

أخذت أم علاء تحكي .. منذ أن جاء إليها علاء يرجوها أن تزور بيت نورا ... إلى اليوم الذي وقعت فيه الحادثة التي راح ضحيتها أبو حسام .. وكيف أن هذا الرجل له أفضال كثيرة على علاء .. وهو في حالته تلك .. لم يستطع إلا أن يوافق على طلبه .. تسمرت نظرات النسوة
فعلا الأمر محير .. لكن هل يتزوج علاء من فتاة لا يحبها لمجرد أن أبوها طلب ذلك .. تسائلت السيدة راضية ... ونظرت لأبنتها بأسف :
- يا لحظك التعس يا حبيبتي ..
ابتلعت سناء ريقها .. رغم أنها لم تعد تطمح في الزواج من علاء .. لكنها أحست بالضيق لأن يتعرض علاء لموقف كهذا .. هو لا يستحق أن يتعذب أبدا .. وكما فهمت منذ لحظات بسيطة .. أنه لو تزوج بغير نورا سيكون تعيسا .. تعيسا جدا ..
نظرت لتلك العينين الذهبيتين ... كانت غشاوة زجاجية تغطيهما .. ينما اختفى اللون الوردي عن وجنتيها وشفتيها ... كانت نظراتها تائهة ويديها تتشابك في عصبية ظاهرة ...
بدا الكل في حيرة .. وكثر الجدال بين أم علاء والسيدة راضية في حين التزمت نورا بصمت حزين ..

description(حيرة قلب ) بقلمي Emptyرد: (حيرة قلب ) بقلمي

more_horiz
الجزء الثامن



أما علاء فقد خرج على غير هدى .. وقد ازداد همه وتعاظم عليه .. خاصة بعد أن رأى نورا .. أدرك أن الزواج من غيرها هو الجحيم بعينه .. ولكن ماذا يفعل بالوعد الذي قطعه مع أبي حسام .. قادته قدماه للمستشفى وهو يرجو الله أن يجده قد تحسن .. فسعادته الآن صارت رهينة بشفائه ...
لازال في غرفة الإنعاش .. ولازالت الأجهزة الطبية موصلة بجسمه ... بينما استسلم هو لنوم عميق تحت تأثير المسكنات .. نظر لوجهه الشاحب بعينين متوسلتين ... ولسانه يهتف بالدعاء له بالشفاء ..
أرجوك أن تُشفى يا سيدي ... لو مت فلن أستطيع التخلص من وعدي لك .. إشف يا سيدي وعد لأسرتك وبيتك .. وحررني فقد أصبحت مقيدا مسجونا لوعد قطعته لك ..
بدا والد حسام في نوم عميق ... لا يشعر بما حوله .. ولا بالنار التي تأكل صدر علاء وتنهش جوارحه .. غادره بعد أن سأل الدكتور عن حالته .. لكنه لم يخبره بجديد فحالته كما هي منذ أيام ..
أما نورا .. فكانت الدموع الحارة نصيبها بعد هذه الزيارة .. التي انتظرتها أياما طويلة ...
وكأن الحظ يعاكسها ... فبعد أن وجدته هي مهددة بفقده ... وليس الأمر بيده ولا بيدها .. هي مشيئة الله وحكمته ... لم تجد غير مناجاة ربها طيلة الليل .. أن لا يحرمها من أحبت ولا يبعده عنها ...

في بيت ياسمين ... كان الحزن يحتل كل أركانه بعد أن كانوا ينعمون بسعادة تامة ... مرض أبي حسام .. جعلهم يفقدون الإحساس بالأمان .. وموته سيكون ضربة قاصمة لكل فرد منهم ...
لم تشعر ياسمين بفرحة ككل عروس يتقدم إليها من تحب .. كأنها أحست أن طلب الزواج ذاك لم يكن من علاء .. لم يخفى على ذكائها أن والدها هو من طلب منه ذلك .. حتى يطمئن عليها وعلى أموالها ... لكنها لم تجرؤ على مناقشته في الأمر .. واكتفت بسؤال والدتها .. التي لم تكن تعرف شيئا غير الذي سمعت ... فأبو حسام لم يخبرها أبدا عن نية علاء في الزواج من ابنته قبل الحادث .. الكل ارتاب في الأمر .. خاصة ياسمين التي رغم حبها لعلاء إلا أنها تتمنى لو يكون هو أيضا يحمل لها نفس المشاعر .. فلن تقبل الإرتباط بشخص لا يحبها حتى ولو كانت تهيم به حبا ... كانت تراقب نظراته طيلة الوقت الذي يقضيه بينهم .. فهو منذ الحادث لم يتركهم هو ووالدته .. و هو يحاول قدر استطاعته أن يلبي لهم كل طلباتهم ويقوم بكل ما كان يقوم به أبو حسام .. تنفيذا لوصيته .. لكن نظراته كانت تهرب منها دائما .. وكأنه لا يريد لعينيهما أن يلتقيان .. ومهما كان خجله وحياؤه لن يتجنبها بهذا الشكل ... على الأقل كان سيواسيها بدفئ أكبر ...
ككل مساء مر علاء عليهم ليقلهم إلى المستشفى .. بدا كئيبا رغم تلك الإبتسامة الباهتة التي رسمها على شفتيه .. أخبرهم أنه كان لدى أبي حسام قبل قليل .. وهو لازال تحت تأثير المهدئات .. ربما يكون الآن قد استفاق .. كان يجيب على أسئلة أم ياسمين باختصار شديد ..
وصلوا إلى المستشفى .. بدا مؤدبا كعادته وهو يفتح باب المصعد لهما .. و حاول أن يكون في الجهة الأخرى مقابل ياسمين .. لماذا يتهرب منها بهذه الطريقة ... كان سيبدو الأمر طبيعيا لو وقف قربها فالمصعد ليس ضيقا لهذه الدرجة .. انزعجت ياسمين من تصرفه .. لكنها لم تنبس ببنت شفة .. دخلت السيدتان للغرفة التي ينام ها أبو حسام .. بينما ذهب علاء لحجرة الدكتور بعد أن سأل الممرضة عن وجوده ..
كان يتمنى أن يسمع أي شيء يدل على قرب شفاء أبي حسام ... ابتسم الطبيب في وجهه علامة مبشرة بالخير .. ثم أخبره ..أنه قد استفاق قبل لحظات .. وحالته تتحسن للأفضل .. جروح يديه التأمت .. كما أن الجرح برأسه يتماثل للشفاء ... أما عن شلله المتوقع .. فلازال الأمر بيد الله .. لحد الآن لازال لا يستطيع تحريك أطرافه .. لكن لاشيء على الله ببعيد ..
خرج من عند الكتور وقد أحس ببعض النور يتسرب لتلك الحلكة التي غزت صدره .. اتجه نحو غرفة أبي حسام بسرعة ... فاستقبلته ياسمين فرحة بينما كانت والدتها تمسك يده بين يديها وابتسامة عريضة تزين شفتيها ..
- أبي سيشفى يا علاء .. أنظر إنه يحدثنا ..
اقترب علاء منه كأنه غير مصدق .. وانطلقت أساريره فرحة وهو يرى ابتسامة شاحبة على وجه أبي حسام ..
- أهلا بني .. شكرا لك على كل شيء ..
- لا تشكرني سيدي .. وحمدا لله على سلامتك ..
- بل أعجز عن شكرك يابني .. ما قمت به لعائلتي .. سيكون جميلا لن أنساه لك ما حييت
- لا تتعب نفسك بهذا الحديث سيدي واعلم أنني أنا مهما عملت لن أوفيك حقك ..
- بني أود أن أعرف متى سأخرج من المستشفى ...
- لا زال الوقت مبكرا سيدي عليك أن تستعيد صحتك أولا ..
- أريد أن كون في بيتي .. وبين أولادي ..
- سأسأل الدكتور .. إن كانت حالتك الصحية تسمح بذلك ..
- أرجوك بني .. نادي الدكتور كي أحدثه ..
- حسنا سيدي ..
خرج علاء مسرعا ليعود مع الدكتور ..
- نعم .. سيد أبو حسام هل انزعجت من الإقامة بيننا ..
- لا .. فقط أريد أن أرتاح ببيتي ..
- ستذهب لبيتك لكن ليس قبل أسبوع من اليوم .. سنقوم ببعض التحاليل والأشعة لنرى مدى تأثير الضربة التي في رأسك على حركتك .. وبعدها يمكنك أن تذهب لبيتك لكن لابد من ممرضة تهتم بك هناك .. وأنا حينها سأزورك كل حين ..
أذعن أبو حسام للأمر .. ورجا الله أن يتولاه .. وكان يعرف أنه قد لا يمشي مجددا .. فهو لحد الآن لا يحس بوجود قدميه ..بينما يحس بوخز خفيف في يديه ...
عاد علاء للبيت بعد أن أوصل ياسمين ووالدتها إلى المنزل .. بدا سعيدا بعض الشيء .. فثماثُل أبو حسام للشفاء .. جعله يتفائل خيرا .. أخبر والدته بآخر الأخبار فسُرت لذلك ودعت له أن يشفيه رب العالمين .. ثم سألها عما فعلت مع نورا وأمها وكيف كان رد فعلهم ..أخبرته أنهن صُدمن للأمر .. خاصة نورا التي لم تنطق بحرف ..
-أمي غدا ستهاتفين نورا وتتفقي معها على موعد ألتقيها به أريد أن أعرف رأيها في الأمر ..
- ولكن بني قد لا توافق .. فهي كما أخبرتني أمها ملتزمة جدا ولن تقبل لقائك لوحدها ...
- جربي أمي .. وليرافقها أحد أخويها .. أريد فقط أن أعرف رأيها حتى أرتاح من الدوامة التي تتلاعب بي ...
- حسنا بني سأرى .. ولتكن مشيئة الله
كانت تلك أول ليلة له بعد أن رأى نورا ... لم يجد النوم لعينيه سبيل .. فقد أخذت تتجاذبه الهواجس من كل ناحية .. لكنه كلما تذكر عينيها اللامعتين.. ينسى كل مشاكله ... كي يغوص في بحر عيونها .. تعود به الذكريات إلى البعيد .. حين كان لا يفرقهما شيء .. أيام جمعتهما معا ,, لم يعرف أحدهما أنها ستصبح حلما جميلا .. هو أقصى ما يتمنياه الآن ..


أما نورا .. فكان يوما عصيبا عليها .. فبعد أن جمعهما الله بعد طول انتظار .. يحدث ما يحدث و يصبح زواجهما مهددا .. لكنها كانت تبتسم كلما تذكرت علاء وملامحه الرائعة... لم تتوقع أن يصبح وسيما بهذا الشكل ... كما أنه أيضا يتذكرها ولم ينسها .. سبحان الله لقد وُلد حبهما معهما منذ الصغر .. وسيكون ظلما أن يُحرما من بعضهما ... أعجبها أنه لم يِخؤر أمر إخبارها بما هو فيه لوقت آخر .. كان من الممكن ألا يخبرها وربما تزوج من تلك الفتاة .. لكنه كان واضحا صريحا .. و فضل أن يوضح كل شيء من اليوم الأولو مهما كان الثمن .. وهذا دليل على أنه يبحث عن حل وعليها أن تساعده في ذلك .. هو شخص نبيل لو لم يكن كذلك لما اهتم بالوعد الذي قطعه مع مدير شركته .. أو لاستغل ذلك لصالحه ... لكنه يرفض هذا الزواج رغم أنه سيحقق له أحلامه .. وعليها الآن أن تفكر في حل يُخرجه من مأزقه ..



في الغد أخذت أم علاء موعدا مع نورا .. لتلتقي به وسط المدينة ... ترددت الأخيرة في الجواب لكن أم علاء أخبرتها أن يكون أحد أخويها معها لرفع أي حرج أو شكوك ..
علم علاء بالإتفاق .. فكان في وسط المدينة قبل الساعة المتفق عليها .. اتخذ مجلسه في الحديقة الكبيرة حيث سيلتقيان .. وقد اختار أن يجلس قبالة باب الحديقة حتى يراهم وهم داخلين ... ماهي إلادقائق حتى لمح شابا صغيرا مع فتاة تلتحف السواد يترجلان من سيارة أجرة أمام باب الحديقة .. وقف استعدادا لإستقبالهما ... صافح محمد أخو نورا بحرارة واكتفى بتحية تحمل كل المعاني لنورا التي تشبك يديها معلنة أنها لن تمدهما للسلام ... وكانت هذه حيلتها حتى لا تضطر لمصافحة رجل أيًا كان ... انتقلوا يتجولون بين الشجيرات .. واحتار علاء كي يبدأ الحديث .. أخذ يسأل محمد عن دراسته وعن طموحه المستقبلي ... وكان الشاب في غاية الأدب واللباقة وهو يجيب عن أسئلته .. .. إختارا كرسيا تحت ظل شجرة الكلبتوس الكبيرة .. و جلس علاء وياسمين .. بينما أخبرهما محمد برغته في التجول قليلا .. فقد أحس أن وجوده سيعسر مهمة الحديث على علاء .. ..
- نورا .......... كماشتقت إليك ...
أطرقت نورا وقد أحست بنار تأججت على خديها ... لكنها لم تنطق ..
بينما استرسل هو ..
- ما رأيك فيما حكته أمي لك ...
تلعثمت قليلا ثم تكلمت بصوت خافت:
- سبحان الله .. كنت أتوقع أن تقابلني صعوبات من نوع آخر ... لكن ما سمعته كان حقا شيئا محزنا .. أقدر حيرتك ..
- وماذا كنت تتوقعين ..
-كنت أظن أنك لن تتذكر نورا .. تلك الطفلة الصغيرة .. وأن أجدك تنعم بحياتك المستقلة .. هي معجزة من رب العالمين أنك لا زلت تتذكرني ..
- نعم أنا نفسي كنت أستغرب أحيانا كيف لي أن أتذكر فتاة صغيرة كنت ألعب معها في الحي ونذهب معا للمدرسة ... لكنك لم تفارقي ذهني منذ افترقنا .. كنت تقفزين بين أفكاري دائما وكأنك تصرين على احتلال الجانب الفارغ في دماغي .. أنا لم أكن أفكر في شيء غير مستقبلي ودراستي .. ولم أستسلم يوما لتلك الرغبات المراهقة .. كنت أحسها بلاهة وعدم نضج .. لكن الحقيقة أن عيناي كانت ترفض الإعتراف بامرأة غير التي كانت تلعب معي وهي طفلة ...
ضحكا معا ... فقصتهما غريبة فعلا ... لكنه وجه السؤال إليها هذه المرة ..
- وأنت كيف كنت تذكرينني ...
أبعدت نظراتها عنه .. وكأنها تريد أن تهرب من سؤاله لكنه كان مصرا أن يسمع منها قصة قلبها معه :
- أتذكر جيدا يوم رحيلكم من الحي القديم .. بكيت يومها كثيرا و حزنت أكثر ... حتى احتارت أمي معي .. لكني أتذكر جيدا أنها ضمتني إليها وأخبرتني أن الله لا يرد من يدعوه .. وأنني إن دعوته كل يوم .. فسيحقق أمنيتي ونلتقي مجددا .. حينها كنت أحلم أنك عدت للحي .. فأفرح لأنني سأعود للتجول معك واللعب عند باب بيتنا .. وكبر حلمي معي .. ولم أتوقف عن الدعاء والرجاء إلى الله عند كل صلاة .. حتى أحببت سجادتي وصار أجمل وقت لدي هي تلك اللحظات التي أُنهي فيها صلاتي وأتوجه إلى الله بالدعاء أن يجمعني بك ...
رفعت رأسها لترى وقع حديثها على وجه علاء ... وجدت على مقلتيه امتلأتا بدموع شفافة
لقد أدرك أنه كان حلمها الضائع .. والذي استردته بعد طول صبر ودعاء ... فاجتاحت غيمة حزن عينيه وهو يفكر كيف خذلها بتلك الأحداث المريرة ...ابتسمت هي بحنان .. و كأنها كانت تتجول بين خلاياه .. فقد عرفت ما يجول بخاطره لتجيبه بكل دفئ ويقين :
- ألا تؤمن بقضاء الله وقدره ...
- نعم ونعم الله ...
- له حكمة فيما نحن فيه .. قد لا نعلم ماهي ... لكنها حكمته التي لا تصل إليها عقولنا الضعيفة .. علاء أنت تواجه امتحانا كبيرا .. ولحد الآن لازلت تسير على الدرب الصحيح ...
فأبو حسام ... كما أخبرتني والدتك .. رجل محنك لم تمنعه طيبوبته من أن يعرف الناس ويدرس أمراضهم ... وهو بين الحياة والموت ... كان طبيعيا جدا أن يختارك أنت لتحمي بيته وأولاده من أنياب الطامعين ... الناس يا علاء بعد أن تخلوا عن دينهم وأخذتهم طواحين الماديات لم يعودا كما كانوا من قبل .. أصبح همهم الوحيد .. هو المصلحة ... وعائلة أبو حسام ستكون صيدا سهلا لأي كان .. لذلك فما عمله الرجل الطيب كان عين العقل ... لقد عرف أخلاقك ... وعرف أنك إن تحملت مسؤولية بيته وابنته .. فستكون نعم الرجل .. ولن تأكل أموالهم وستتقي الله فيهم ....
- ماذا تقصدين .. هل أتزوج من ابنته ..؟؟؟ أترضين ذلك ..
- إذا احتاجوا لذلك .. فعليك أن لا تتردد ...
- ماذا تقولين .... ظننتك .. ستترجينني كي لا أفعل ... لا أصدق ما أسمع ..
-أخبرتك قبل قليل أنك حلمي الوحيد ... لكن الله وضع في طريقنا هذه العثرة .. وهي اختبار لي ولك .. أستكون أنانيا وتتركهم يواجهون الناس لوحدهم .. أستخذل الرجل الطيب الذي رضي لنفسه أن يعكس الآية ويخطبك لإبنته ...



أصاب علاء بالذهول ... هل هي فعلا من تتكلم أم أنه في حلم ... لكنها هي .. هي التي ظن أنها ستجعله يتخذ قراره النهائي بعدم الزواج من ياسمين ... أحتار وهو يحاول استيعاب كلماتها .. إما أنه يحلم أو أن الفتاة التي أمامه لا تشعر نحوه بأية مشاعر ..
صرخ منفعلا ..

- لا أصدق .. أن يكون هذا ما وصلت إليه .. زواجي منها يعني تعاستي وربما آذيتها عوض أن أكون كما ظن أبوها .. أنا لا أكن لها أية مشاعر .. ولن أستطيع تمثيل غير ذلك ... فلم أتعود أن أُظهر غير ما أُبطن ابدا .. نورا .. هل تحبينني حقا ..
انحنى رأسها لتترك الدموع الساخنة تبلل ثيابها ... وهي تهز رأسها الإيجاب..
- إذن ما هذا الذي كنت تقولينه منذ قليل ... لا يمكن أن تقبلي أن اكون زوجا لأخرى ...
- علاء .. ربما أبدو غبية لكني .. ببساطة أحاول أن أرضي من أحبه أكثر منك بل أكثر من نفسي ... إنه ربي .. أحبه بكل خلايا جسمي .. أنا أستطيع أن أصبر عن حرماني مما أريده في الدنيا .. لكني لن أصبر على غضبه علي ...
كاد علاء يفقد صوابه .. فهو كان يصلي الفرض ويطيع ربه ويتجنب سخطه بابتعاده عن كل المحرمات كما كانت توصيه أمه .. يقرأ القرآن كلما وجد الوقت لذلك ... لكنها تبقى أشياء يقوم بها لأنه تربى عليها لا أكثر ولا أقل .. لم يجادل يوما نفسه عن حب الله .. وكيفية القرب منه .. لم يهتم إن كان الله راضيا عنه أم لا .. ظنا منه أن ما هو عليه من خلق سليم وصلاح كاف لأن يجنبه غضبه .. لم يتصور أن المعاملة مع الله قد تصل لهذه الدرجة .. هي مستعدة أن تسلمه بيدها لياسمين إن أراد الله ذلك ..تأمل الجملة قليلا .. إن أراد الله ذلك .. فعلا إن كانت تلك إرادة الله .. فما من قوة ستبعد ذلك ... نظر لنورا .. التي كانت غارقة في دمعها ...
- لقد كبرت كثيرا يا نورا .. حتى أنك سبقتني وعرفت أشياء لا أعرفها .. لكن ماذا تقترحين أن نفعل الآن ..
-لا شيء سوى أن نرجو الله كي يشفى مديرك ... أو على الأقل أن يستعيد بعض عافيته ... وبعدها ليفعل الله ما يريد ..
- لكن .. لو أنني أضطررت لأن أتزوج ياسمين .. هل ستتركينني ..؟؟
أطرقت والله وحده يعلم ما يختلج بين أضلعها ... فهي تتمزق ألف قطعة لمجرد سماع اسمها بين شفتيه .. فكيف لو تزوجها .. لكنها كانت تترك الزمام لعقلها فلن تستطيع هذه النفس أن تغير من مبادئها شيء .. قالت بصوت هادئ ..:
- لن أكون لغيرك أبدا ... حتى أموت ...

لم تكن نورا أحسن من علاء حالا .. كانت هي الأخرى تعاني ما تعانيه .. حتى أنها تمنت لو لم تلتقي به .. ولو ظل يوم لقائه حلما جميلا تشتاق لتحقيقه ... لقد حزمت أمرها الآن .. وإن لم يشفى أبو حسام .. فعلى علاء أن يتزوج من ياسمين وفاء لعهده له .. وحفاظا على أسرة لجأت إليه في وقت الشدة ... لم تعلم أمها بما جرى بينهما من حوار .. ونورا تدرك أنها لو علمت ما قررته لاستشاطت غضبا ... لكن نورا لم تحكي لها شيئا عن ذلك ... حتى تتجنب تأنيبها وتذمرها المزعجين ...
كانت تمسك كتابا بين يديها تحاول التوهان بين سطوره هربا من واقع أصبح يِؤلمها ... رن هاتفها المحمول فجأة ... إنه علاء ...
- السلام عليكم
- وعليكم السلام ورحمة الله .. خير يا علاء ... لم أظن أنك ستكلمني بهذه السرعة ..
- كنت لدى أبي حسام قبل ساعة ..
- كيف حاله هل تحسن ..؟؟
- بخير .. سيخرج من المستشفى بعد أيام قليلة .. لكنه لن يستطيع المشي مجددا ..
- لا حول ولا قوة إلا الله ...
- عموما هو بخير الآن ... وأظن أنه سيشفى من كل جروحه الأخرى .. نورا لقد قرر أن تكون خطوبتي على ابنته مباشرة بعد خروجه من المشفى .. لقد أمرني أن أستعد ..
خفق قلب نورا بشدة .. وتاهت منها الحروف .. لم تدري بم تجيب ولا ماذا تقول .. حاولت أن تستجمع شجاعتها وتسأله بصوت يكاد لا يُسمع ..:
- وماذا ستفعل ..
- لا أدري .. لم أستطع الحديث .. فنظراته وكلامه يجعلني مسلوب الإرادة .. لقد حاولت أن أجعله يؤجل الموضوع .. لكنه كان مصرا ..
نورا سأجني على نفسي وعلى ابنته إن قبلت .. لن أكون الزوج الذي تريد .. أجيبيني .. ماذا سأفعل الآن ..؟؟
كانت نورا تعتصر ألما .. دموعها انسابت كشلال من عينيها .. وهرب صوتها ولم تستطع أن تجيبه .. تعالى صوته من الطرف الآخر يناديها لكنها هوت على الأرض مغمى عليها ... وبقي هو يتسائل عما جرى .. ركضت أمها إليها بعد أن سمعت صوت سقطتها على الأرض .. كان الهاتف لازال بين أصابعها .. حملتها وهي تنادي إخوتها كي يأتوا بكوب ماء .. وحملت الهاتف لتسمع صوت علاء ينادي كالمجنون ...
- نورا ... ردي علي ... نورا ...
- علاء .. يا ولدي ما الذي جرى .. لقد أغمي عليها ..
- أنا السبب يا خالة حملتها ما لا تطيق ..
- حسنا بني .. كلمني بعد قليل .. حتى أرى ما بها ...
أقفل علاء الخط .. لكنه أصبح أكثر بؤسا من قبل .. هي تتألم رغم ما تتظاهر به من قوة وتباث .. لن يكون من السهل عليها تقبل أن أكون لأخرى ... المسكينة ... كانت مخطأة حين ظنت أنها تستطيع تقبل الأمر ...

description(حيرة قلب ) بقلمي Emptyرد: (حيرة قلب ) بقلمي

more_horiz
الجزء التاسع


لم يستطع علاء الصبر أكثر فعاود الإتصال بنورا .. بعد أن فعل به القلق عليها الأفاعيل ...
- ألو ...
رد عليه صوت واهن كان صوت نورا التي استعادت وعيها الآن ... ولأنها كانت تتمنى أن تبقى متماسكة أمامه على الأقل حتى لا تحبط عزيمته .. لكن قواها كانت أضعف مما توقعت
ردت وهي تحاول أن تبدو طبيعية ..
- نعم أنا نورا ..
- الحمد لله على سلامتك .. ما الذي جرى .. إن كنت تحسين بتعب أو ما شابه .. رافقتك للمشفى .. أخبريني هل أنت بخير ...
- لا .. لا ... لا ... أنا في أفضل حال .. فقط لم أتناول شيئا اليوم وذاك سبب إغمائي ...
- لا زلت تكابرين ... ما أعندك يا نورا ..
- صدقني .. أنا بخير ..
- على العموم .. سأدعك ترتاحين .. وغدا سنزوركم أنا وأمي ...
- حسنا .. إلى الغد ..
أنهى علاء المكالمة وهو يستغرب من أفكار هاته الفتاة .. ستجننه بعنادها ... هي لا تعرف شيئا عن أبي حسام وعائلته فكيف تدافع عنهم على حساب نفسها .. غريب أمرها ... وكيف أن تدينها كان السبب في اتخاذ أفكارها هذا المنحى ... فهي تريد أن تكون كاملة وأن تستغل كل شيء حولها لنيل الثواب من الله ... لكنها الآن تعطي الأمر أكثر مما يستحق .. ياسمين جميلة وستجد من يحبها ويسعدها .. وأبو حسام بخير رغم إعاقته إلا أنه يستطيع تسيير أموره وليعتمد على ابنه .. الذي كان من المفروض أن يكون هو المسؤول عن أسرته في هذه الأزمة .. لكن أبو حسام لا يعتمد عليه .. خصوصا وأنه لا يحب مجال عمل والده .. كما أنه لازال صغيرا على تحمل مسؤولية أسرة بكاملها ..
أحتار علاء وهو يفكر في سبب عناد نورا .. لكنه أدرك أنه هو من حكى لها عن شهامة هذا الرجل ونبله معه .. وعن مساعدته له وتمهيد الطريق أمامه .. وكيف أنه كان يعتبره ابنه لما لمسه فيه من صدق ووفاء وحب للعمل .. لقد أخبره في يوم كان في طريقهما لأستقبال أحد الأفواج .. أن الله يحبه .. لأنه بعث إليه بشاب مثله .. حتى يحمل معه بعض العبئ ويسلمه أمور شركته وهو مطمئن البال .. هو السبب .... فمن خلال حديثه .. أخذث نورا موقفها .. فهي لم ترضى أن يخيب أمل الرجل الطيب في علاء .. والسبب هو ظهورها في حياته .. لام نفسه كثيرا عن تسرعه في إخبارها .. وود لو أنه لم يفعل .. حتى لا يعرضها لما تعانيه الآن بسببه ...
أما نورا .. فكان صدر أمها مرتعا لدموعها التي انسابت بلا توقف .. قصت على أمها ما قالته لعلاء وعن موقفها من الأمر ككل .. حاولت أن تبين لها أن الرجل الطيب لا يستحق أن يخذله علاء ويخيب ظنه .. لكن أمها لم تفهم معنى أن تتخلى ابنتها عن علاء ليتزوج من أخرى .. خاصة وأنه يريدها هي ..
-إنه انتحار يا ابنتي .. كيف تسلمين من قضيت سنين طويلة في انتظاره لامرأة أخرى عن طيب خاطر .. هذا لا يدخل عقل عاقل أبدا ..
- امي .. لا أريد أن أكون السبب ..
- يا ابنتي لن تكوني السبب في شيء .. هو لا يحب ابنته و لن يتزوجها فقط لأن والدها كان طيبا معه .. هذا جنون .. حين كان بين الحياة والموت .. كان الأمر صعبا لكنه استفاق من مرضه ولا بأس أن يعتذر علاء منه بالنسبة لأمر الزواج .. وإن كان هذا الرجل يحب علاء حقا فسيقدر موقفه ...
- أمي .. من الصعب عليه أن يتقبل رفض علاء لأبنته بهذه البساطة .. خصوصا وأنه هو من عرض عليه الأمر وترجاه ليفعل .. كما أن الفتاة تعتبر نفسها الآن خطيبته .. سيتحطم فؤادها .. ليس الأمر بالسهل أبدا ..
- وهل قلبك لا يهمك .. فأنت ستموتين لو تزوج منها .. ستحترقين كالشمعة يا ابنتي لن تتحملي .. صدقيني ..
صمتت نورا وهي تردد في أعماقها .. كم هو صعب علي كل هذا يا امي .. سأموت حقا ..لكني لا أدري ما أفعل .. لا أريد أن أكون سببا في تعاسة أحد ...



- كيف حالك اليوم ياأبي ..؟؟
سألت ياسمين والدها وهي ترسم ابتسامة عريضة على وجهها الجميل .. قبلت يده بحنو وهي تتمتع بكلماته الدافئة ..
- بخير يا ابنتي .. ما دمت حياً أرزق وأقر عيني برؤياكم فأنا بكل خير يا حبيبتي .. من أوصلك للمشفى .. ؟
- لقد جئت وحدي ... بينما ستنتظر أمي علاء حتى يمر عليها ...
- ولم لا تنتظرينه أنت أيضا .. ألستما في حكم الخطيبين ..
ابتسمت ياسمين في خجل .. ولم تنطق ..
- عليك أن تحاولي التحدث إليه .. فهو خجول جدا ... حتى أنه خجول أكثر منكِ ..
أردف أبو حسام مازحا .. بينما رمته ياسمين بنظرة عتاب خجولة ..
- صدقا بنيتي فأنا أعرف علاء جيدا .. سيجد صعوبة كبيرة في الحديث إليكِ .. حاولي أن تسهلي عليه الأمر ..
- لكنه ... كان قبلا يتحدث إلي ببساطة .. أما الآن فهو يتجنبني ولا يريد حتى أن تلتقي نظراتنا ..
- كما قلت لك يا ياسمين .. هو خجول جدا .. اصبري عليه قليلا ,,
- حسنا أبي ...
كان هناك الكثير مما تود قوله لأبيها لكن حالته ومرضه يمنعانها من بث همومها إليه .. حتى لا تتعب قلبه .. فهي تلاحظ تجاهل علاء لها خاصة في الآونة الأخيرة .. ولو أنه يحمل لها أية مشاعر .. كانت ستفضحه عيونه .. لكنه يبدو جامد التعابير .. يحاول بكل قواه .. أن يتجنب نظراتها .. فكرت كثيرا في أمره .. وقررت أخيرا أن تلجأ لوالدته .. هي التي سيكون لديها مفتاح لغز علاء .. لابد وأنها تعرف مشاعر ابنها نحوها .. وهي من ستخرجها من حيرتها ..



وقف علاء يستعجل أمه .. سيذهبان لزيارة نورا ...
كان الشابان في استقبالهما ... رحبا بهما بكل أدب .. ثم جلسوا في انتظار انضمام نورا وأمها لهم ..
كان علاء يحس باضطراب غريب ... فقد كان يتمنى لو أنه يستطيع خطبة نورا ... حتى يزول الحرج و يتمكن من رؤيتها دائما .. لكن والأمور على ما هي عليه ... لابد أن يصبر حتى يرى ما سيكون ...
دخلت نورا بزيها الأسود كالعادة .. قبلت أم علاء بحرارة واكتفت كعادتها بانحناءة بسيطة تحية لعلاء .. استقبل هذا الأخير تحيتها بعيون تكاد تنطق شوقا ولهفة وانبهار بحسن رباني
لم تتدخل فيه المساحيق ولا الصبغات ... رغم السواد الذي يلفها فهي تبدو رائعة الجمال ... سألها بثلعثم وخجل :
- كيف صرت الآن ...
- الحمد لله بخير ...
- سامحيني لو علمت أنك ستتألمين لهذه الدرجة ما كنت أخبرتك شيئا ..
- لا أبدا .. لا تعتذر ما فعلته كان عين الصواب علي أن أعرف ظروفك وأتحملها معك ...
نطقت أم نورا وقد بدا عليها بعض الإنزعاج ...
- بني .. عليك أن تكون حازما في اتخاذ قرارك هي حياتك ولا يجوز لك أن تتعس لمجرد أحاسيس مبالغ فيها..
لم يعقب علاء لكن والدته كانت بالمرصاد :
- لا ياأم نورا .. أنت لا تعلمين قدر السيد أبو حسام عند علاء ومدى امتنانه له .. وعلاء إبني مخلص وفي وليس من السهل عليه أن يخيب أمل الرجل الطيب به ..
- حتى لو كان ذالك سيتعسه ..
- حتى لو كان ... لكننا نرجو من الله أن نجد الحل الذي يرضي كل الأطراف ..
- ولماذا لا تكلمين أنت ياسمين وتخبريها بأمر علاء ونورا ..
هنا هب علاء قائلا :
- لا .. لن تفعل ذلك ...
انتبه لنظرات نورا وخاف أن لا تفهم سبب اعتراضه فاستمر يوضح بهدوء :
- أقصد أن ياسمين لا تخفي شيئا عن والدها وقد تخبره بطريقة غير لائقة تجرحه أو تجرحها ...
لم يبدو على نورا أنها قد انزعجت لكلامهم لكنها كانت تسبح في عالم آخر ... عالم يضمها مع علاء بلا مشاكل أو عقبات .. لقد حملها خيالها لأحلامها الماضية حين كان علاء لازال بملامحه الطفولية يركض معها بين الأزقة .. ويمسح عن ملابسها التراب كلما تعثرت ووقعت أرضا .. هو الآن يبدو أكثر وسامة وجاذبية ... سواد شعره وعينيه وبياض جبينه الواسع .. طوله الفارع وجسده الرياضي المتناسق .. يبدو كفرسان العصور القديمة .. كأمير قادم من إحدى روايات الماضي البعيد ..
استفاقت من أحلامها على صوت أمها التي تأمرها أن تقول شيئا ..
- لا يوجد ما أقوله يا أمي .. علينا أن نصبر حتى يفعل الله ما يريد ..
صرخت والدتها بغضب :
- هذا كل ما تستطيعين قوله ..
قالت والدة علاء لتهدئ من هيجان السيدة راضية :
- ابنتك تقول الصواب سنصبرعلى الأقل حتى يشفى أبو حسام .. وأعدك أن الله سيساعدنا .. علاء لا يستحق أن يتعذب ونورا كذالك .. والله لن يحرمهما من بعضهما ..
رسمت السيدة راضية ابتسامة ساخرة وهي ترقب ابنتها بعيون غاضبة .. فلطالما تمنت لابنتها أن تتزوج وتفرح بها ... لكن ما يجري يجعل المرئ يفقد صوابه ...
الغريب في الأمر أن الكل أصبح يتعامل مع علاء ونورا كما لوكانا مخطوبين منذ زمن بعيد .. وكأنما هما لبعضهما منذ كانا طفلين فالسنين التي ابتعدا فيها عن بعضهما لم يعد لها وجود ..



استأذنت السيدة راضية للحظات فتبعتها أم علاء متعمدة وبقي أخوي نورا في مكان قصي من الغرفة .. و حاولا أن يتظاهرا بانشغالهما بحديث بينهما .. حتى يُتيحا للخطيين مع إيقاف التنفيذ الكلام وأخذ بعض حريتهم لكن ليس كلها .. فحتى الآن لابد من أن يكون معهما رفيق وحتى لا تكون هناك خلوة بينهما... فرغم أخلاقهما العالية لكن يبقى أمر الله ونبيه فوق الجميع ..
- نورا ..
رفعت عينيها الجميلتين وهي ترد عليه :
- نعم ...
- ألا تلاحظي أننا لم نتحدث عن أنفسنا أبدا ..
- نعم .. انشغلنا بالسيد أبو حسام و ابنته ..
- هو السيد أبو حسام من أهتم لأمره .. ويهمني أن لا أخسره .. لكن ابنته لا أظنها ستوافق على الزواج بي إن هي علمت بقصتي معك .. هي على خلق لقد ربى ولديه أحسن تربية
- وماذا لو صارحتها أنت ..؟؟
- أخشى أن تخبر والدها ... أو أنها لا تتقبل الأمر ...
- هل هي تحبك ...؟؟
- لا .. اقصد لا أعرف .. أنا لم ألاحظ أنها كذالك ..
- وهل كنت مهتما لملاحظة ذلك ..
ضحك علاء وقد احمرت وجنتاه ..
- كدت أن أصدق أنك لا تغارين ..؟؟ يوم التقينا في الحديقة ظننت أنك فريدة من نوعك امرأة لا تغار ..
- ليس الأمر كذلك يا علاء .. أنا فعلا أغار عليك .. لكن مادمت متأكدة من مشاعرك نحوي فما الذي يدفعني لأن أغار ..
- وما الذي جعلك متأكدة ... لم يمر وقت طويل على التقائنا ..
- صدقني هو إحساس منذ رأيت وجهك أول مرة .. أحسست كأنك لم تغب عني أبدا ... فقد قرأت في عينيك الكثير ...
- أممممم يبدو أني لن أستطيع إخفاء شيء عنك أبدا ..
ردت نورا ضاحكة ..
- جرب وسترى أني سأعرف كل ما يدور في عقلك ..
- لماذا هل أنا شفاف لهذه الدرجة ...
- لا أنا التي أتقن قراءة الأفكار جيدا .. ثم ضحكا بمرح ...
وكز محمد أخاه حتى يرى منظر هذا الثنائي الجميل ثم همس له .. أنه من الظلم أن لا يكونا لبعضهما ..
أما نورا وعلاء فقد أخذهما الحديث إلى مواضيع عدة حكت له عن عملها وكيف تحبه وتحب أهل القرية الطيبين .. كان حديثها يزيده إعجابا بها ... ويزيد من مخاوفه أن يفقد هذا الملاك أو يضيع ما بينهما من حب ..




بمساعدة من علاء وحسام .. اعتدل أبو حسام في جلسته على مقعده المتحرك ... سيصبح رفيقه إلى أن يريد الله .. الكل تغطي ملامحهم علامات الأسف على الرجل الطيب .. لكن المسكين بعد أن لاحظ الحزن المسيطر على الوجوه .. قال بكل ثقة وإيمان :
- هي مشيئة الله لا اعتراض على حكمه .. وأحمد الله أنه لم يحرمني تواجدي بينكم ..
ارتمت ياسمين في حضن أبيها و هي تدعو له بالصحة وطول العمر ..
أصرت زوجته على الدفع به رغم أن كل الحاضرين أبدو الرغبة في ذلك .. اليوم سيعود أبو حسام إلى بيته .. سترافقه ممرضة من المشفى لتهتم به كما أن الدكتور سيزوره كل يوم للإطمئنان عليه ..
تزين البيت بالورود وحضرت أم علاء تشكيلة رائعة من الحلويات احتفالا بعودة الرجل الطيب .. الكل مبتهج و سعيد و أبو حسام لم ينسى اتفاقه مع علاء ... فبمجرد وصوله للبيت استدعاه ليحدثه في الأمر .. أدرك علاء أنه في ورطة كبيرة .. لقد أمره أن يستعد لعقد قرانه على ياسمين مساء هذا اليوم ... وعليه أن يُنهي أشغاله في الشركة باكرا حتى يكون هنا عند الموعد المحدد .. تلعثم علاء وارتبك وخرجت الحروف مبعثرة من بين شفتيه :
- سيدي ... لو .. أقصد إن سمحت ..
- ماذا بك يا علاء .. هل هناك ما يزعجك ..
- لا أبدا سيدي .. لكن ..
- ماذا لديك يا علاء .. أنا مثل والدك .. لا تخجل مني ..
- سيدي ... كنت فقط .. أريد أن ... أستعد ..
- ماذا .. ألم تستعد لقد أخبرتك قبل أسبوع أن تستعد ..
- كنا مشغولين بك سيدي .. كما أن العمل كان في قمته في الشركة حتى أني لم أكن أجد الوقت لشيء ...
- إذن .. كم يكفيك من الوقت يا بني .. فيوم زواجك على ابنتي أمنية أحلم بها منذ استعدت وعيي .. فلا تحرمني أن أفرح بكما ..
نزلت كلماته كالسهام على رأسه ولم يدري بم يجيب .. لكنه استجمع شجاعته و رجاه أن يمهله أسبوعا آخر .. حتى يستعد أو يجد حلا للمصيبة التي حلت على رأسه ..
رغم كل الشكوك التي كانت تلف ياسمين حول مشاعر علاء نحوها .. إلا أن ذاك اليوم كان خاصا .. وكانت تنتظره بشوق .. حاولت أن تقنع نفسها أن علاء خجول جدا كما قال والدها .. وأنه فقط لا يجد الجرأة لكي يحدثها .. فهو كما معروف عليه شاب عاقل ملتزم ... وليست له قصص مع الجنس الآخر .. لقد كانت منشغلة جدا ليلة خروج والدها من المشفى .. ذهبت للتسوق واختارت فستانا جميلا يليق بالمناسبة .. وشالا حريريا بنفس لون الفستان الزهري ... رغم كل شيء هي الآن سعيدة لأنها ستتزوج من فارس أحلامها .. وستجعله يهيم بها حبا ...
أتى اليوم الموعود .. و مر عليهم علاء ليأخذهم للمشفى كعادته .. كان صامتا يتأمل الطريق أمامه بإصرار حتى لا تتحول عيناه إلى النساء اللواتي يجلسن وراءه .. يحاول دائما النظر أرضا كي لا تلتقي عيناه بأعينهما ... وصلا المشفى ... وأخذت المرأتان في
الإستعداد حيث أخذت ياسمين تجمع أغراض والدها .. وأمها تساعده على تغيير ملابسه .. بينما ذهب علاء لإنهاء إجرائات خروج أبي حسام من المشفى ..
وصلوا إلى البيت عند الظهيرة .. وانتبهت ياسمين لعلاء يدخل غرفة أبيها بعد أن ناداه هذا الأخير ليكلمه في شيء مهم .. أدركت ياسمين أن الأمر يتعلق بخطبتهما .. فرقصت جوارحها فرحا .. وذهبت إلى أمها فرحة ..:
- أمي .. يبدو أن أبي يحدث علاء ..
- وماذا في ذلك ..
- لاشيء لكنه كما أعتقد سيحدثه عن أمر خطوبتنا ..
- هذا واضح .. فوالدك لم يتعود التراجع عن قرار اتخذه .. وقد أخبرنا أن يوم خروجه من المشفى هو يوم خطوبة فتاتي الصغيرة ..
داعبت وجهها وهي تقول جملتها الأخيرة .. ثم أمرتها أن تنادي على أم علاء ..
جائت المسكينة وقد كانت ترجو الله في سرها أن تؤجل الخطبة لأي سبب من الأسباب ...
- أم علاء .. وأخيرا سنفرح بعد كل الحزن الذي مررنا به ..
- نعم يا غالية .. جعل الله أيامكم كلها فرح وسعادة ..
- علاء يتحدث لأبي حسام في الغرفة .. وعلينا أن ننتهي من تحضير ما يجب .. فلابد أنه سيدعو إخوته وبعض العائلة لحضور الخطبة ..
أحست والدة علاء بارتباك و تلعثم وقد ضاعت منها الحروف ..
- حسنا يا غالية أأمريني فأنا رهن إشارتك ..
- لا يأمر عليكي ظالم يا طيبة .. والله إني لسعيدة لكون حماة ابنتي هي أنت .. وسعيدة أكثر بعلاء الله يحميه عقل وخلق ودين ... ما رأيت أحدا في حياءه وحسن خلقه .. باركه الله وحفظه يستحق ابنتي وقرة عيني ياسمين عن جدارة .. أتمنى لهما السعادة من كل قلبي ..
كانت أم علاء تحاول رسم ابتسامة على وجهها وتؤمن على كلام أم ياسمين وفي داخلها تتردد كلمات أخرى .. ياله من موقف .. ولا استطاعة لها في أن تفعل شيء .. لقد كانت أشد خجلا وحياء من علاء .. لكنها كانت تدعو الله في سرها أن يمر الأمر بسلام ودون أن يسببوا أي حزن أو ألم لهذه الأسرة الطيبة .. يحتاجون لمعجزة لتخرجهم من هذا المأزق ..
أخذ علاء يقلب هاتفه بين أصابعه والحيرة تتلاعب به ... لا يدري ما يفعل .. هل يصارح أبو حسام بما يجري وينهي هذه الرواية ... أم يصارح ياسمين .. ومن أين له الجرأة للحديث مع أي منهما ... أبو حسام رجل عاقل وسيتفهم موقفه .. خاصة وأنه هو من فرض عليه أمر الزواج و قيده تحت ظرف مرضه آن ذاك .. لكن أبو حسام يعقد آمالا كبيرة عليه .. ورَدُ هذا الأمر عليه بمثابة هدمِ لكل أمل جميل توخاه فيه ...زفر علاء بحدة وقد أكلت الحيرة جوارحه .. أمه ستبيث الليلة عندهم ... ستعود في الغد وربما قد تجد حلا غاب عنه ..
حاول النوم ..... لكن هيهات فكلما أغمض عينيه .. رأى ياسمين إلى جانبه بثوب العرس فيقفز هاربا من أحلامه ...
أما في منزل أبي حسام .. فقد طغى جو من الثوثر بعد أن عرف الجميع أن الخطوبة قد أجلت لأسبوع .. سألت ياسمين والدتها بإلحاح عمن قرر التأجيل فاضطرت لإخبارها أن علاء غير مستعد الآن .. أتى الجواب كصفعة مؤلمة لياسمين .. سرعان ما تذكرت تجاهله ولا مبالاته .. فأحست ببرودة تسري في أطراف جسمها .. تذكرت كيف كان يخبرها حدسها أنه لا يبالي بها .. ويبدو أن حدسها معه كل الحق فيما أخبرها به .. فتجنبه لها لم يكن قط من خجله .. أحاطت أم علاء بأسئلة كثيرة تود أن تعرف منها سبب التأجيل .. لكن هذه الأخيرة كانت تجيب باقتضاب ولباقة وتحاول أن تقنعها أنه فقط يريد أن يستعد أكثر لمناسبة كهذه .. تركتها بعد أن فشلت من أخذ ما تريد منها .. لكنها كانت متأكدة أن هناك شيء ما لا تعرفه .. وعليها أن تجتهد لتكتشفه ...
في اليوم التالي .. عادت أم علاء إلى البيت .. فلم يعد هناك داعي لإقامتها عند بيت أبي حسام خاصة بعد خروجه من المشفى .. حاولت قدر استطاعتها أن تهدئ من شكوك ياسمين حول علاء .. لكنه كات جليا في عينيها هي الأخرى أنها تجد صعوبة في ذلك ..
استقبلها علاء .. بتنهيدة حارة .. فقد قضى الليل مستيقظا تقلبه الهواجس وتتآكله الأفكار .. زادت أمه من همه حين أحبرته شكوك ياسمين وانزعاجها لتأخير الخطبة .. لكنه سرعان ما خطرت له فكرة .. فشكوك ياسمين في صالحه .. ولو زادت أكثر فسترفضه من نفسها وبذلك ستنتهي المشكلة .. أحس فجوة يتسلل منها بعض الأمل .. فياسمين لن تقبل على نفسها أن ترتبط شخص لا يريدها .. تبخرت الفكرة بمجرد أن أدرك ما سيسبه لها ذلك من ألم خاصة بعد أن أكدت له والدته حبها له .. فقد رأت عينيها كيف كانت تستعد ليوم الخطة ذاك كل حماس وسعادة ...
يبدو أن الأمر شائك .. وعليه هو ووالدته أن يبحثوا عن حل لا يضر بإي منهم ولكن كيف ؟؟



مر الأسبوع بسرعة كبيرة ... وعلاء لازال حائرا بين قلبه وضميره .. كان يحس بالذنب كلما استقبله أبو حسام بالترحيب و التمجيد ... ويرى من خلال جفنيه نظرات ياسمين وهي تتبع خطواته بشك وريبة .. ويُطرق خجلا كلما أخذت أم ياسمين تدعو له بحفظ الله ورعايته ..
كان يعود لأمه ليشكو إليها ما مزق فؤاده .. لكن المسكينة هي الأخرى لم تكن تجد غير الدموع ... ومحاولة تهدئته حتى يفعل الله أمره ..
لم يجد علاء الشجاعة لمواجهة أي منهم .. كما أن أبو حسام ترك له المبادرة هذه المرة ولم يتطرق للموضوع نهائيا .. فمادام هو من أراد التأجيل فعليه هو أن يحسم أمره ويطلب الإذن في طلب يد ابنته هذه المرة ..
مر اليوم الأول بعد الأسبوع .. كان ينتظر أن يدعوه أبو حسام ليعرف ما قرره .. لكنه لم يطلب منه شيء .. فأدرك علاء أنه هو من عليه الحديث هذه المرة .. فازدادت حيرته وزاد همه ...
في اليوم التالي بعد ليلة طويلة قرر علاء قراره الأخير .. قرر أن لا يخذل الرجل الطيب .. وأن لا يؤذي الفتاة التي تحبه .. ووجد أنه من الجحود ونكران المعروف أن يؤذي أسرة بكاملها ليسعد نفسه .. أخبر أمه بقراره بالأخير .. حتى تستعد لزيارة بيت أبي حسام معه مساءً ..
وخرج لعمله مشتت الذهن ضعيف الهمة .. بينما بقيت أم علاء تبكي لَِما رأته في عيني ابنها من حزن .. لم تجد غير سناء لتشكو إليها .. هي تحب ياسمين وتحب والديها فقد عاملوهما هي وابنها بكل حب وعطف وترحيب ... ومنطقيا فياسمين زوجة ممتازة لعلاء خاصة وأن مصالحهما مشتركة .. لكن علاء المسكين قلبه مع نورا .. حبه الأول والأخير .. وكم سيشقى بعيدا عنها ... كانت سناء تبكي لبكاء أم علاء ولا تدري ما تقول أو كيف تواسيها .. لكنها تدرك كم يتعذب علاء الآن .. تماما كما تتعذب هي .. سبحان الله .. لقد تنازلت سناء عن حلمها رغم ما عانته ولازالت تعانيه من جراء حبها له حتى يسعد بمن يحب بعد أن عرفت أن قلبه ملك لأخرى .. وهاهو الآن سيتزوج بغير التي فضلها قلبه هو أيضا ..
من الشركة اتصل علاء بأبي حسام وأخبره أنهم سيزورونهم مساء .. فرحب الرجل الطيب به
و أعلمه بدوره أنهم في انتظاره ...
ما إن سمعت أم ياسمين الخبر حتى ركضت لإبنتها كي تزف إليها البشرى .. لكن هذه الأخيرة لم تبدي أية ردة فعل .. كانت تنظر لأمها بوجه جامد ..
- مابك يابنتي .. ألن تفرحي للخبر...؟؟
- وأخيرا .. قرر سيادته ..
- لا أحد يعلم ما ظروفه ياابنتي .. ولوأن ما في رأسك صحيح لما عاد وتقدم إليك تانية ..
- أمي .. أنا أشعر كما لو كنت قد فرضت عليه فرضا .. لم يخترني بإرادته ..
-ماذا تقولين .. ولم يتزوجك إن لم يكن يريدك .. لا أحد يتزوج غصبا ..
- لابد أنه خجل من إحراج والدي ...
- يا حمقاء الزواج قرار مصيري ولن يغامر علاء بمصيره إن لم يكن يريدك ..
- أمي هو لا تبدو عليه أية علامات تؤكد إعجابه بي حتى .. ثم انظري كم مر من الوقت .. لم يحاول مرة التقرب إلي .. أو حتى معرفة رأيي ...
- يا ابنتي ظروف أبيك الصحية لم تكن تسمح أن يغازلك .. كما تعلمين هو ملتزم جدا ولن يتصرف تصرف المراهقين .. سيغازلك ويخبرك بمكنون صدره حين تصبحين زوجته ..
- أمي أنا خائفة .. أشعر أنه لا يحبني ...
- لا تخافي .. هو متدين و حسب الشريعة فلن يتخلى عن حياءه حتى تصبحان زوجا وزوجة ..
اطمأنت نوعا ما لكلام أمها .. ثم أخذت تستعد لحفلة المساء .. فعليها أن تكون أجمل عروس في الكون .. حتى تسلب لب هذا الفارس الذي يبدو أنه سيتعبها بحياءه الزائد هذا ...



تاهت قدما علاء وهو يجوب الشوارع على غير هدى .. كان يود لو يُطلق العنان لصوته .. فيصرخ ويصرخ .. حتى تنزاح تلك الكومة من السواد التي اجتاحت أحلامه .. لا يدري مايفعل .. فقد انتهى الأمر واليوم يوم عقد قرانه على ياسمين .. لقد صمم أبو حسام أن تكون خطبة وعقد قران في آن واحد حتى يطمئن ويرتاح باله .. هو يضع بين يديه فلذة كبده .. أمانة غالية وعليه أن يصونها ويحفظها ... عليه أن يعلم منذ اليوم و يقتنع أن ياسمين زوجته وعليه أن يكون نعم الزوج .. كما توقعه أبو حسام ..
بدون شعور تناول هاتفه من جيبه .. وضغط أزرار رقمها الذي كان يحفظه عن ظهر قلب .. رغم أنه حديث العهد به .. أجابته على الطرف الآخر بصوت رخيم شجي .. لم يستطع الكلام تجمدت الحروف على شفتيه لوهلة ليست بالقصيرة حتى بدأت نورا تهتف بقلق :
- علاء .. ما بك ... كلمني ..
أجاب بعد أن ابتلع ما تبقى من ريقه الجاف ..
- نعم نورا ... أنا ...
- مابك .. هل أنت مريض .. أجبني ..
- لا لا لا تقلقي أنا بخير ...لا أنا لست بخير ..
- علاء أثرت قلقي .. ماذا جرى .. هل والدتك بخير ..
- هي بخير .. لكنني أنا .... لست بخير ..
- علاء .. تكلم ماذا يجري .. وإلا أتيت إليك حالا ..
- لا .. نورا لادعي لذلك .. لقد اتصلت فقط لأودعك ...
- ماذا تقول ... تودعني .. هل أنت مسافر ...
- لا ..... اليوم ....... سأتزوج ياسمين ..
توقفت الأصوات .. بل توقف كل شيء .. الزمان والمكان .. و العالم بأسره ... أدرك أنها لن تنطق لذلك أكمل حديثه ...
- نورا .... لم يعرف قلبي سواكي .. ولا أظنه سيعرف ... لكنه القدر ... قدر الله وما شاء فعل .. أردت أن أكلمك لآخر مرة وأتمنى لك حياة سعيدة .. وداعا ...
لم يسمع ردها لكنه أقفل الخط .. وأكمل توهانه بين الدروب والأزقة ...
- يألله إرحمني برحمتك .. فليس لي سواك ..
هتف بحرقة وألم ولم يمنع عيونه من ذرف الدمع الغزير ..

description(حيرة قلب ) بقلمي Emptyرد: (حيرة قلب ) بقلمي

more_horiz
الجزء العاشر



ابتسمت ياسمين وهي تضع اللمسات الأخيرة على زينتها .. اليوم سيتحقق حلمها وستتزوج الشاب الذي دخل قلبها من أوسع أبوابه .. هي سعيدة جدا .. مما زادها حسنا وجمالا ....
سمعت صوت أمها تستقبل علاء ووالدته .. كما سمعت حسام يركض عبر الممر ليخبرها وصول العريس ..
- عروستنا الجميلة وصل فارسك الهمام على حصانه الأبيض .. ليخطفك ويأخذك معه لبلاد بعيدة ..
أخذ حسان يضحك مازحا من ياسمين وهو ييشير بيديه بمرح ..
- حسنا ... سأجهز بعد قليل ..
- ألم تجهزي بعد .. تبدين فاتنة .. يكفي حتى لا يسقط العريس صريعا فنظطر لتأجيل كل شيء ..
- فال الله ولا فالك يا أخي .. إذهب عني .... سأتبعك حالا ..
- تريدين الصراحة لو لم تكوني أختي لما تركته يخطفك فأنت فاتنة يا ياسمين .. خصوصا اليوم .. لم أكن أعلم أن الحب يجعل الفتيات يزددن جمالا ..
- كفاك سخرية وأذهب إجلس معه على الأقل ..
- لا هو مع أبي .. لا يحتاج إلا لعروسه الجميلة ..
- حسنا أيها المستفز.. سأنزل ...
- باااااااااي إياك أن تنامي .......
رمته بنظرة تأنيب وعادت لمرآتها .. هل حقا ستبدو جميلة في عينيه .. هل ستستطيع إذابة الجليد الذي يغطي ملامحه ... هي لا تدري .. لكنها تعرف جيدا أنه لم يصل بمشاعره لما وصلت هي إليه .. لذلك سيكون همها الكبير أن تجعله يذوب فيها حبا ..
في الباحة الواسعة التي تزينت اليوم بباقات الورد .. جلس والد ياسمين وجلس قربه علاء .. وقد بدا شاحبا متعبا .. كان يبتسم مضطرا حتى يُخفى ما يختلج بصدره ..
- يا أم ياسمين .. نادي العروس ..
أمر أبو حسام باسما ... بينما خفق قلب علاء بشدة ... واشتبكت أصابعه بقلق وعصبية .. لا أحد يعلم ما يجري في دواخل علاء سوى والدته ... التى كانت ترقبه وكبدها يتمزق حزنا عليه .. ودت المسكينة أن تأخذه وتهرب لكن وجوه الحاضرين السعيدة والزغاريد التي كانت ترن بين كل حين وحين والعائلة التي ملأت البيت لتبارك وتهني ... تجبرهم على كتم كل ذلك داخلا ... وكانت المسكينة تطلق الزغاريد كلما نظرت إليها والدة ياسمين مبتسمة ..
ارتفعت الزغاريد بكثافة هاته المرة .. لتظهر العروس متأبطة ذراع أخيها .. كانت جميلة بثوبها الزهري المتدرج .. و حليها الفضية اللامعة .. بدت كملاك رقيق .. تمشي بحياء وعلى مهل .. أقتربت أم علاء من ابنها وأمرته أن يقف لإستقبالها .. بدا مرتبكا .. خجولا .. وهو يتسلمها من يدي أخيها .. أمسك بيديها بأنامل مرتجفة .. وبدا له أنه في أشد المواقف إحراجا على الإطلاق .. لم يحاول النظر إليها كان ينظر إلى الأرض .. أو حولها لكنه لا ينظر إليها .. ناداه أبو حسام معاتبا ..
- أنظر لعروسك ولا تخجل .. بعد لحظات ستصبح زوجتك ..
- ابتسم علاء بحياء .. ثم خطف نظرة لوجهها الملائكي .. هي جميلة فعلا .. بل رائعة الجمال .. لكنها لن تكون بجمال نورا .. حدث نفسه بحسرة .. هي أيضا كانت خجلة تعلو وجنتيها حمرة الزهر عند تفتحه .. الكل حولهم فرح مسرور ... والكل يهمس أنهما يليقان ببعضهما .. هو شديد الوسامة وهي رائعة الجمال .. أما أبو حسام .. فكان يمسك يد علاء بين يديه .. ويربت بحنان على كتفه .. ففرحته اليوم لا توصف ..
تم عقد القران .. وأصبح علاء وياسمين زوجا وزوجة ... كما أخبرهم .. كاتب العدل بعد انتهائه من مراسيمه .. تعالت أصوات الفرح في كل أركان البيت ... وابتسم علاء في وجه ياسمين التي كانت ترقب تفاصيل وجهه ... كمن تبحث عن شيء ما ..


منذ آخر مكالمة من علاء .. لم تبرح نورا غرفتها ... تعبت أمها من الرجاء والتوسل لها كي تنسى الأمر .. وتعود لحياتها .. لكنها لم تكن تجيب ... عينيها تحدق في الفراغ ... وترفض اكل أي شيء .. تنسى .... كيف ستنسى من رافقت روحه روحها منذ عرفت معنى الحياة .. كيف ستنسى علاء رفيق الطفولة وأمير أحلامها لسنين طويلة .. كيف ستنسى و قلبها لا يخفق إلا له ... و سيتوقف عن الخفقان إن هي يئست من وجوده قربها ... قبل أن تلقاه كانت تحيا على أمل اجتماعهما يوما .. والآن بعد أن ودعها وتزوج أخرى ما الذي ستعيش لأجله ... حتى الدموع لم تكن تنزل من عينيها ... أصبحت كقطعة جليد بارد ... لا يستجيب لأي شيء .. استدعى والدها طبيبا كي يرى ما الذي حل بزهرته اليانعة .. فالمسكين لم يكن يعلم بتفاصيل ما يجرى .. كون الزيارات تجددت بينهم وبين أم علاء شيء طيب وعادي .. وإلى الآن .. لا يعرف ما سبب حالة ابنته .. رغم أنه سأل وتسائل كثيرا .. إلا أنه لم يعرف الجواب من أحد .. الكل كان ينتظر أن يتقدم علاء رسميا لخطبة نورا .. حينها سيعلم بكل شيء .. لكن المياه تمشي بما لا تشتهي السفن .. ولم يعد هناك داعي لأن يعلم بشيء .. أخبرهم الدكتور أنها تمر بحالة اكتئاب شديدة .. وقد تتفاقم حالتها لأكثر من ذلك .. خاصة وأنها ترفض الأكل بل ترفض الحياة .. وصف لها بعض الأدوية المهدئة وأكد عليهم أن ينقلوها للمستشفى إن هي استمرت على حالتها تلك .. قرر والدها أن يلازم غرفتها ... وأن يتلو آيات من القرآن الكريم .. ظنا منه أن ابنته محسودة .. أو مصابة بعين قوية .. بعد قراءة بسيطة .. تحركت ملامح نورا قليلا ... ثم انفجرت ببكاء يقطع الأكباد .. ضمها والدها إلى صدره واستمر في تلاوته .. والتف حولها أخويها ووالدتها ... الكل يبكي لبكائها .. بكيت حتى جف دمعها ثم أقفلت عينيها لتأخذها إغفاءة طويلة .. فوضعها والدها برفق ... وهو لا زال يتلو آية الكرسي بصوت خافت ..
- دعوها ترتاح .. لقد أنهكها طول البكاء ..
أقفل باب الغرفة بهدوء .. ونادى الكل إلى غرفة الجلوس ..
- أريد أن أعرف .. ماذا بها .. لا يمكن أن لا يكون أي منكم يعرف ما حل بها .. لا يمكن أن تفقد رغبتها في الحياة بهذه البساطة .. لابد وأن هناك أمر خطير .. حتى بكائها .. لم يكن طبيعيا .. أخبروني ما الذي جرى ..
أطرق الجميع بصمت .. بعد أن تبادلوا النظرات فيما بينهم لكن والد نورا كان مصرا ..
- ستموت إن لم نفعل شيئا .. مضى أسبوع وهي على حالتها هاته من منكم يعرف .. ماذا بها ..
قررت راضية أن تقول كل شيء .. فمهما كان هو أبوها و خوفه على ابنته .. سيمنعه من لومهم ..
- الحكاية كلها سببها علاء ..
- ومن علاء هذا ..؟؟
- علاء ابن جيراننا القدامى ...
- وما له وابنتي ...
- ألا تذكر تعلق ابنتك به وهي صغيرة ..
- نعم كان ذلك قديما .. وقد رحلوا ولم نعرف عنهم شيء إلا قبل شهر على ما أظن ..
- نعم .. هي لم تنساه أبدا وكانت تنتظره ..
سردت السيدة راضية القصة كاملة على مسامع أبي نورا .. الذي كان يصغي بذهول .. ما يسمعه عجيب .. فتاة تتعلق بشخص لم تراه منذ كان صغيرا .. حاول أن يكذب الخبر .. لكن السيدة راضية أكدت له أن ما تقوله صحيح ..
- لا حول ولا قوة إلا بالله .. و ماذا سنفعل الآن .. هل سنرجوه كي يتزوجها ... مصيبة وحلت بنا .. ما العمل الآن ما العمل ..؟؟
- لا شيء بيدنا .. هو قد تزوج الآن وانتهى الأمر ..
- هل كان حقا يحبها ...
- ياااااااه الله وحده يعلم بحاله الآن .. المسكين تورط في زواجه ولو كان بيده ما فعل ...
استمر الأخذ و الرد إلى أن سمع الجميع صوت وقوع جسم على الأرض .. ركض الجميع لغرفة نورا .. ليجدوها ملقاة على أرضية الغرفة .. وقد أغمي عليها ...
وصلت سيارة الإسعاف بعد دقائق لتحمل نورا إلى المستشفى .. الكل يبكي لحالتها .. ويدعو لها بالنجاة مما هي فيه ...




انتهى الإتفاق على أن يتم حفل العرس بعد شهر .. حتى تجهز العروس نفسها .. ويستعد العريس أيضا .. وعد والد ياسمين أن يكون أجمل عرس في المدينة لأجمل عروسين فيها ...
عاد علاء ووالدته إلى البيت بعد انتهاء حفل الخطبة وعقد القران .. وبدل أن يتبادلا التهاني تبادلا نظرات حزينة .. وتنهدات تنبع من قلوب تعبة محطمة ... أم علاء تسعد لسعادة فلذة كبدها وتبتئس لبؤسه .. وهي الآن مثله تماما .. كأنما هما روح واحدة تحمل الآلام نفسها .. أخذته في حضنها وربتت على ظهره وهي تحاول أن تسلي عنه ..
- إنه أمر الله يا ولدي .. لعله خير لك ولا تدري .. إصبر يا ولدي فما كل ما يتمناه المرئ يدركه ..وياسمين فتاة جميلة عاقلة ومن أصل طيب .. يفخر كل شاب في سنك أن يحظى بها عروسا .. هي الآن أمانة في عنقك يا ولدي .. وعليك أن لا تجعلها تحس بشيء .. أعلم أنه من الصعب عليك ذلك .. لكنه الواقع .. وعليك التسليم به .. هي أصبحت زوجتك .. و قبل ذلك .. هي ابنة الرجل الذي يحبك كثيرا وقد وضع ماله وابنته بين يديك ..
كان علاء مغمض العينين ينصت في صمت .. عليه ان ينسى ويستسلم لعالمه وقدره الجديد .. وكما قالت أمه ما كل ما يتمناه المرئ يدركه ..




أحس بدبيب في جيبه .. إنه هاتفه المحمول .. لقد وصلته رسالة فتحها مستغربا ممن ستكون يا ترى ..
حبيبي الغالي .. فرحتي باقتراني بك لا توصف وكلي أمل أن تعيش مثل فرحتي
زوجتك المحبة ياسمين .
أحس بنار تجتاح صدره .. هي تحبه وهذا سيزيد من ألمه .. هو عاجز عن أن يبادلها نفس المشاعر .. عاجز حتى عن النظر إليها .. تسائلت أمه عن المرسل فأجابها بحزن :
- ياسمين ..
- المسكينة .. هي الآن سعيدة جدا .. أتمنى أن تستطيع إسعادها ..
- أتمنى أنا أيضا ..
دخل غرفته ليحاول النوم فغدا عليه أن يخرج مع عروسه للتسوق .. حمل ثقيل عليه أن يحمله منذ اليوم ..
تاهت به الأفكار إلى عينيها .. ترى كيف حالها الآن .. لابد وأنها تتعذب مثله .. وتعاني مثله .. لكنها على الأقل لن تظطر للثمتيل أمام أحد .. تحسست أنامله رقمها ثم وضع الهاتف على أذنه .. عله يسمع صوتها .. لكن هاتفها لم يكن مشغلا .. لابد أنها رمته على طول يديها عند آخر مكالمة .. همس لنفسه .. ثم حاول أن يغمض عينيه .. لكن هيهات .. فصورتها وصوتها الرخيم كانا يلاحقانه ليستسلم لهما بخضوع ..
في صباح اليوم التالي ... بعد أن تناول إفطاره وصلته رسالة من ياسمين .. قرأها وهو يعض على شفته .. إنها تلومه لأنه لم يرد على رسالتها مساء أمس .. فكر طويلا ما عساه يقول لها .. كيف سيعتذر منها ... فهو لم يتعود مراسلة الفتيات .. حتى نورا .. لم يكن يرسل لها الرسائل الهاتفية .. أخذ يكتب ويمسح طويلا إلى أن اهتدى لجملة صغيرة ..
غاليتي ياسمين .. أعذري جهلي فرحت برسالتك كثيرا لكني لم أجد كلمات تضاهيها رقة فآثرت الصمت .. لأجلك سأتعلم كيف أكتب ولن أتأخر عليك مرة أخرى ..
زوجك علاء ..
رغم بساطة الكلمات إلا أن ياسمين كانت ترقص فرحة وهي تقرأ رسالته .. وسرعان ما كتبت له رسالة أخرى ... أحبك ..
هنا تسمرت عيون علاء .. ولم يجد بم يرد .. هل يكتب لها أحبكِ كما يفترض .. هل يكذب عليها ؟؟ لم يدري ما يفعل .. لكنها تنتظر الجواب أكيد ... كتب أحبكِ .. لكنه سرعان ما مسحها .. فكر طويلا .. ثم كتب لها سأمر عليكِ بعد ساعة إستعدي ..
وصلت الرسالة إليها لتركض بسعادة إلى الحمام ... ستكون أحلى فتاة لتستقبل أوسم شاب ... توقفت قليلا وهي تنظر للمرآة .. هو لم يقل لها أحبكِ .. كرد على رسالتها .. لكنها سرعان ما تذكرت خجله ليلة الخطبة وانعقاد لسانه واحمرار وجهه لتضحك من حيائه المفرط .. هو حقا كما قال والدها أشد منها حياءًا ..



وقف علاء في الممر بعد أن زار أبا حسام واطمئن عليه .. وقد بدا عليه الإرتباك والثوثر .. كان ينتظر ياسمين لكي يخرجا معا للتسوق .. سيبدآ معا رحلة تأثيت بيتهما الجديد وعليهما اختيار كل شيء معا .. لقد أوصى علاء أحد السماسرة للبحث له عن بيت جميل صغير .. حيث سينتقل للعيش فيه هو أمه ... وسيكون عش الزوجية أيضا .. إلى حين أن يجد البيت المناسب .. سيشترون ما يحتاجان من تجهيزات أخرى غير الأثاث .. ظهرت ياسمين بوجه صبوح تعلوه ابتسامة رائعة .. ثم مدت يدها مصافحة ..
- صباح الخير ..
- صباح النور .. كيف حالك ..؟؟
- الحمد لله بأفضل حال .. وأنت ..
- أنا أيضا .. بأحسن حال ..
قال جملته الأخيرة وقد رسم على شفتيه ابتسامة جذابة ...
- تفضلي ..
- حسنا وداعا أمي ..
رافقتكم السلامة يا ابنتي .. علاء إعتني بياسمين ..
- في عيني يا سيدتي ..
خرجا معا ووالدة ياسمين تراقبهما بسعادة ..
فتح لها باب سيارته البسيطة ... ثم استدار لمكانه وراء المقود .. ضمت ياسمين يديها بخجل .. بينما انهمك هو في قيادته دون أن يلتفت إليها ..
استمر الصمت لبضع دقائق .. لتقطعه ياسمين متسائلة ..
- من أين سنبدأ ..
- لا أدري .. لك الإختيار ..
- حسنا لنبدأ بأثاث المطبخ .. مادمنا لا نعرف تفاصيل البيت ..
- لك ذلك ... هل تحبين الطبخ ..
- نعم ... أعشق تجهيز الحلويات ... والأطباق المختلفة ..
- إذن لن نجوع بعد العرس .. قال علاء مازحا ..
- كيف سنجوع ومعنا أحسن طباخة في الكون .. خالتي .. أكلها طيب جدا ..
- أرجو أن لا يتحول المطبخ إلى ساحة حرب ... مادمتما أنتما الإثنين تحبان الطبخ ..
ضحك علاء بينما عاتبته ياسمين برقة ..
- أعوذ الله .. أنا أحبها مثل أمي وسأكون ابتنها المطيعة ..
- هي أيضا تحبك .. ولن ترضى أن تنزعجي من شيء أبدا ..

صمت الإثنين قليلا ثم نادته ياسمين وهي تضم كفيها بقلق :
- علاء ..
- نعم ..
- أريد أن أسألك .. لكن أريد جوابا صادقا ..
أدرك علاء أنه في مأزق جديد ..
- نعم ..
- هل ستصدقني القول ..
- ولم لا ..
- أعرف أن والدي من اقترح عليك فكرة زواجنا .. هو يحبك كثيرا .. وقد أخبرني أن الشباب في مثل خلقك وإخلاصك قليل .. لذلك كنت بالنسبة له كنز يكره أن يفرط فيه .. لكن هل فعلا كنت ترغب في الزواج بي .. أم أن الأمر فُرض عليك ..؟؟
ابتلع علاء ريقه وهو يحاول أن يخفي ثوثره و هو ينظر للسيارات بجانبه .. ثم أجاب :
- و من لا يرغب في الزواج من فتاة جميلة مثلك ..
- لكني أحسست أنك لم تكن سعيدا حينها .. وكنت مترددا ..
- كنت أخشى أن أكون أنا من فُرض عليك .. فأنا أيضا عرفت أن والدك يريدني هو وخفت أن تكوني مرغمة على ذالك ..
ابتسمت ياسمين بسعادة ..
- إذن .. أنت سعيد بزواجنا ..
- طبعا .. بل في غاية السعادة خاصة إن كنت أنتِ أيضا سعيدة بهذا الزواج ..
- أنا في غاية السعادة .. بل أكاد أطير فرحا ..
ابتسم علاء في وجهها والله وحده يعلم كم الألم الذي كان يعتصر كبده ...

description(حيرة قلب ) بقلمي Emptyرد: (حيرة قلب ) بقلمي

more_horiz

الجزء الحادي عشر




مرا يومين على نورا في المستشفى ... لازالت في غيبوبة تامة ... كانا والداها وإخوتها في حالة مرعبة من القلق والحزن .. لا أحد يدري ما يفعل .. كان والدها يلازمها طول الوقت .. يقرأ القرآن عند رأسها حينا ويحدثها أحيانا ويدعو لها بدموع و رجاء ... كان يحب ابنته كثيرا .. فهي زهرته اليانعة كما يحلو له أن يسميها .. لم يوبخها يوما أو حتى يِؤنبها فقد كانت فتاة مطيعة متدينة .. تثير إعجابه دوما بحسن خلقها وتهذيبها .. وكان دوما يدافع عنها أمام والدتها التي كانت تتذمر من كونها ترفض كل من خطبها .. رغم أنه كان يقلق لذك لكنه لم يحاول يوما إرغامها .. هاهي الآن تذبل أمامه .. ولا يدري ما يفعل .. أمعقول أن يكون السبب هو ذاك الشاب الذي ظهر فجأة ليقلب حياتها رأسا على عقب .. ليته لم يظهر .. وظلت تنتظره .. على الأقل كانت تعيش بأمان راضية بحالها .. دخل الدكتور الغرفة ليطمئن على المريضة ... أفسح له والد نورا وهو يرجوه أن يفعل شيئا لأبنته ..
- الحقيقة أمرها عجيب فهي لا تشكو من أي شيء عضوي .. فقط بعض الضعف من قلة الأكل والإرهاق .. ونحن نساعدها بهذا المغذي .. لكن هي تبدو رافضة للحياة .. ولا تريد أن تستفيق .. كأنها تهرب من حياتها .. أنتم أهلها .. وعليكم البحث عن سبب حالتها هذه .. فإن أصرت على ما هي فيه ستموت لا محالة ..
أطرق الأب المسكين رأسه حائرا .. وارتمى على المقعد قرب ابنته .. وقد امتلأت عيناه بدموع حزينة سيفقد ابنته .. ولا يدري ما يفعل ..
كانت السيدة راضية في البيت تجلب بعض الغيارات لنورا وبعض الأكل لوالدها .. دخلت لتجد زوجها يذرف الدمع الغزير .. فأخبرها بما قاله الدكتور .. فكرت للحظات .. ثم ودعت زوجها الذي أخذ يسألها عما تريد فعله .. لكنها لم تجب وذهبت مهرولة ..
لم يعد هناك حل آخر .. عليها أن تخبره بما آلت إليه ابنتها هو السبب وعليه أن يعرف ذلك .. لن تموت ابنتها ليحيا هو مع زوحته الجديدة بأمان .. عليه أن يعرف أنه ضحى بها من أجل ابنة المدير ..



دقت السيدة راضية جرس الباب ... لتفتح لها سناء بنت الجيران .. رحبت بها ودعتها للدخول وهي تنادي على أم علاء ... تعجبت هذه الأخيرة من زيارة السيدة راضية .. وتسائلت وهي ترى الشحوب الذي يعلو وجه المرأة المسكينة .. ضمتها إليها وكأنها تعتذر مما كان .. إلا أن السيدة راضية اندفعت باكية وهي ترجو من أم علاء أن تنقذها ... أخذت المرأة تسرد قصة ابنتها التي على فراش الموت منذ آخر مكالمة لها من علاء .. بكت أم علاء بحرقة .. وهي تتذكر الفتاة المسكينة وما تعانيه بسبب ابنها .. هدأت من روع السيدة راضية .. وأخبرتها أنهن سينتظرن علاء ثم يذهبوا جميعا لزيارتها .. سيحزن علاء كثيرا لذلك فهو أيضا يتعذب كل يوم .. و لكنه سلم أمره لله ...
حينها كان علاء في عمله ... لقد كان يُرهق نفسه بالعمل حتى لا تنفرد به عواطفه .. لكنه أبدا لم يكن ينسى العينين الذهبيتين .. فهما تلاحقانه أينما ذهب ..
قبل أن يترك مكتبه اتصل بياسمين كالعادة كي يطمئن على أحوالها و يرى إن كان هناك برنامجا لهما .. فأخبرته أنها ستنتظره بعد ساعتين ليخرجا معا لشراء بعض الحاجيات لها .. وافق وودعها إلى حين ..
وصل البيت .. فسمع صوت النسوة بغرفة الجلوس .. وسرعان ما هبت إليه والدته ..
- بني حمدا لله أنك عدت ..
- ماذا هناك يا أمي .. من معك ..
- إنها أم نورا .. تعال يا بني .. الأمر خطير .. تعال أدخل ..
دلف علاء إلى الغرفة .. وقد بدا عليه الذهول ..
- أهلا خالتي ... خير ماذا جرى ..
- بني .. أنقذ نورا ... حياتها بين يديك ..
- ما بها نورا .. ما الذي جرى ..؟؟
حكت السيدة راضية قصة ابنتها منذ أن هاتفها لآخر مرة .. وكيف أنها الآن ترفض الحياة .. وتريد الموت .. زاغت عينا علاء و هوى على الأريكة .. لم يتوقع أن تصير الأمور بهذا الشكل .. ظن أنها ستتألم قليلا .. ثم تعود لحياتها .. لكن أن تموت .. هذا ما لم يخطر له على بال ...
انطلقوا جميعا إلى المستشفى ... دخلوا الغرفة .. كان والد نورا جالسا عند رأسها يدعو ويبتهل إلى الله أن ينقذ ابنته .. عرفتهم السيدة راضية ببعض .. فقال له الأب بتوسل :
- بني .. أرجوك حاول أن تجعلها تستفيق .. فستموت إن بقيت على حالها هذا ..
تأمل علاء الجسد النحيل المسجى على السرير .. كانت تبدو نائمة بهدوء ... لا تعلم شيئا مما يجري حولها .. اقترب منها أكثر .. حمل يدها بين يديه ... وبكى كطفل صغير .. لم يكن يعلم أن فراقه سيعذبها لهذه الدرجة .. ولم يكن يعلم أنها تحبه أكثر من حياتها .. تذكر حديثها وهي تدافع عن ياسمين ووالدها .. وكيف شجعته على الزواج بها وعدم خذلان أبي حسام .. لقد كانت تدفعه للوفاء بوعده .. حتى على حساب حياتها .. بكى الحاضرون لمنظرهما .. بينما بقي علاء جاثيا على ركبته ينظرلنورا ويحدثها بصوت باكي ...
- حبيبتي .. لم يعرف قلبي غيرك أبدا ولن يعرف .. لا تتركيني .. عودي إلي ولن أتركك ما حيييت .. نورا حبيبتي .. استيقظي فسأكون لك مهما كان الثمن .. وستكونين لي .. لن نفترق أبدا .. فقط استيقظي .. سأموت لو جرى لك مكروه .. لن أستطيع الحياة بعدك .. لا تتركيني .. نورا ... نورا ..
كان يتضرع إليها بدموع ساخنة وصوت متهدج .. حاولت أمه إبعاه عن سريرها .. لكنه أبى ذالك ووضع رأسه على يدها واستمر في نحيبه ..




مر وقت طويل .. وعلاء ينظر لوجه نورا .. علها تستفيق .. لكنها كانت في عالم غير العالم .. كان صوت بكائه يعلو كلما تذكر أنها من الممكن أن لا تستيقظ أبدا .. عاتب أم نورا على تأخرها في إخباره .. ولو أنها أعلمته منذ أول يوم لما وصلت لهذه الحالة .. لكن أحدا لم يتوقع أن تنهار نورا بهذا الشكل .. فالأحبة يفترقون كل يوم .. لكنهم لم يسمعوا عن أحد مات لفراق حبيبه ... كلهم استهانوا بحب نورا الكبير لعلاء .. حتى علاء نفسه .. لم يتصور أن تحمل له كل هذا الحب .... رغم أنه كان بعيدا عنها لمدة طويلة إلا أنها لم تفترعن حبه وكانت مشاعرها نحوه تكبر معها كل يوم ..
رن الهاتف فجأة .. فارتبك علاء وتذكر موعده مع ياسمين .. لقد اتصلت به بعد أن ملت من الإنتظار .. خرج إلى الممر ... وأجابها بصوت هامس ..
- نعم ياسمين ..
- علاء لقد تأخرت علي وأردت أن أذكرك ربما نسيت ..
- أعذريني عزيزتي لقد انشغلت مع صديق لي بالمستشفى .. حالته خطيرة .. لن نستطيع الخروج اليوم .. سأتصل بك لاحقا .. سامحيني ..
- حسنا .. لا باس على صديقك تمنياتي له بالشفاء ..
- شكرا لك .. مع السلامة ..
أنهى المكالمة .. ثم اتجه نحو مكتب الدكتور.. استأذن وحياه بأدب ثم سأله عن المريضة التي تنام في الغرفة رقم 7 ..
بدى الدكتور مستغربا وهو يخبره أنها لا تشكو من شيء عضوي .. لكنها تشكو من ضعف وإرهاق فقط .. أما حالتها فغريبة حقا لأنها ترفض أن تستفيق .. كما لو كان الواقع شيء مرعب وهي تود الهروب منه .. إنها حالة اكتئاب شديدة .. إن هي استفاقت .. فقد تحاول التخلص من حياتها لذلك يلزمها مراقبة شديدة ..
سأل علاء .. و قد شحب لونه لما سمع ...
- وما العمل يا دكتور ...
- لو عرف أهلها سبب حالتها هاته ربما يستطيعون مساعدتها ..
خرج علاء من مكتب الدكتور .. وهو يفكر كيف سيساعدها على الإستيقاظ .. عليها أن تستفيق .. لتدرك أنه عاد إليها وأن سبب هروبها من حياتها لم يعد موجودا ..
دخل غرفتها و سألهم عن حالها .. أجابوا أنها لم تتحرك .. لا زالت ساكنة سكون الموت .. اقترب من سريرها .. وأخذ يحدثها بهدوء ..
- نورا .. أنا علاء .. أتسمعينني .. أنا هنا قربك .. نورا .. لا تتركيني فأنا أحتاج إليك .. أحتاج لأن أتحدث إليك .. عن ذكرياتنا القديمة .. أتذكرين .. كنا نلعب طول النهار معا .. ولا نفترق إلا عند المساء .. كنت تبكين عندما تناديك أمك للعودة إلى البيت .. لكني كنت أعدك أننا سنلتقي صباحا لنلعب حتى نمل .. نورا .. أجييني هل تذكرين ...كم كنت تغضبين عندما أتركك لألعب مع صبية الحي كنت تصرين على أن تبقي معي حتى وأنا ألعب الكرة .. أتذكرين .. نورا لم أعلم أنك لازلت كما تركتك حينها .. متعلقة بي وتحبينني ظننتك ستنسيني بمجرد أن تعرفي أني لن أكون لك .. فقد عشتي بدوني سنين طويلة ..
استمر يحدثها طويلا .. وهو يرجو الله أن تسمعه لتعود إلى الحياة وتعود إليه ..
طلب منه والدها أن يرتاح قليلا .. لكنه رفض وأخبره أنه لن يرتاح حتى تستفيق من غيبوبتها ..



دقت الساعة التانية عشرة ليلا وعلاء يصر على أن لا يفارق نورا .. حتى تستيقظ ... حاول معه الحاضرون أن يرتاح قليلا .. أو يأكل شيئا لكنه أبى أن يسمع لأحد ...كان يحدثها تارة .. ويستسلم لدموعه أخرى .. وقد بدا للجميع أنه سيلحق بها هو الآخر إن لم تصحو .. صار علاء ونورا حديث المستشفى .. تناقلت حكايتهم عبر العنابر والغرف .. فكان الممرضات والمرضى يتناوبون لزيارة الغرفة رقم 7 ... ليشاهدوا قصة حب من أروع القصص المعاصرة .. الكل يستغرب كيف أنه في يومنا هذا يوجد حب بهذه القوة ..



من بعيد كانت نورا تسمع صوتا تحبه كثيرا .. كان يحكي لها عن أيام جميلة عاشتها على الأرض .. إنه صوت حبيبها الغالي .. أين هي الآن .. ومن أين يأتي هذا الصوت ... المكان مظلم والصوت بعيد جدا تكاد لا تسمعه ... تريد أن تتبع مصدر الصوت لكنها لا تستطيع .. ثقل ما يضغط على جسدها .. فلا تقوى على الحركة .. ياه أين هي الآن .. ومن أين يأتي هذا الصوت .. لابد أنها تحلم .. وهي تتخيل صوته من شدة حبها له .. لا إنه صوته .. بدا لها كأنها في بئر سحيق .. والصوت هناك فوق حيث ترى دائرة صغيرة من النور .. عليها أن تصعد إلى هناك .. حيث يوجد علاء .. هو لا يدري أنها تحت .. في داخل البئر .. أرادت أن تناديه .. لكن لسانها بدا ثقيلا ... لا يتحرك .. ستصعد إليه .. .. مهما كلفها الأمر ... أخذت تقاوم ثقل جسمها تحاول وتحاول .. لكنها تتحرك ببطء شديد ... و دائرة النور .. بدت بعيدة جدا .. لازالت تسمع الصوت .. ولن تيأس .. ستحاول الصعود مجددا .. فهناك يوجد حبيب قلبها .. وقرة عينها علاء ..



مرت ساعات الليل بطيئة مملة .. وعلاء ووالد نورا لازالا معها يتناوبان على مراقبتها بعد أن غادر الجميع ...عل الله يرحمهم ويرحمها وتستفيق من غيبوبتها ..
جاء دور والدها ... فتوسل لعلاء كي يذهب ليغفو قليلا على السرير المجاور .. عليه أن يرتاح فقد أتعبه البكاء منذ وصل إلى المستشفى .. استسلم بعد أن أحس بضعف شديد .. ثم تمدد على السرير المجاور .. لكن عيناه ظلتا تحملقان في نورا .. جلس أبوها إلى جوارها وأخذ يمسد يدها ويدعو لها ..
كانت نورا تصارع هناك في غياهب الظلمة .. تحاول أن تصل لدائرة النور التي لازالت تظهر هناك .. توقف الصوت منذ مدة .. لكنها لن تستسلم .. ستصعد إلى هناك حيث يوجد علاء .. لابد أنه ينتظرها ..
صرخ والد نورا بفرح وهو يرى أنامل ابنته تتحرك .. فركض علاء إليها مستبشرا .. تأملا معا يديها .. كانت تحركهما ببطء شديد .. فكر علاء أنها ستسمعه الآن .. عاد يحادثها ودموعه تسبقه ... بدأت أصابعها تتحرك بقوة أكبر .. وحاجباها تضيقان .. ذهب والدها لينادي الدكتور المناوب .. قد يساعدها على الإستيقاظ .. كان علاء لازال يحكي بدون توقف .. حين دخل الدكتور .. فجس نبضها .. وتأمل عينيها ... ابتسم للرجلين الذين يقفان على أعصابهما ..
- ربما قد بدأت تستجيب لكما ... حاولا معها أكثر .. هي الآن تحاول أن تستيقظ ..
عاد علاء لمكانه قربها .. بعد أن غادر الدكتور .. واستمر يحدثها عن كل شيء .. عل صوته يصلها وتستيقظ ..
مرت لحظات كأنها سنين .. ثم تحرك جفناها ببطء شديد .. بينما هلل علاء وكبر والدها ... كانت تقفل عينيها وتفتحهما عل الرؤيا تتضح لها أكثر .. كان علاء يبتسم وقد انهمرت دموعه فرحا باستيقاظها .... وأخيرا .. فتحت عينيها الذهبيتين .. وكان اسمه أول ما نطقت به شفتاها ... قفز علاء مسرورا .. وعانق والدها بحرارة وهو يردد بجنون :
- لقد استفاقت أخيرا يا عمي .. استيقظت .. الحمد لله .. الحمد لله ..
- الحمد لله يا بني .. شكرا لك .. أنت من رد إليها الروح بعد الله .. شكرا لك بني ..
أمسك يدها بين يديه .. و عاد يحدثها ..
- نورا .. حمدا لله على سلامتك ... شكرا لأنك استيقظتي ... كنت سأموت لو لم تفعلي ..
- علاء .. لا تتركني أرجوك ..
- أبدا لن أتركك ما حييت .. سنكون معا نورا .. فقط عودي لعافيتك كما كنت ..
لم تستطع الكلام أكثر.. فقد كانت ضعيفة واهنة .. لكنها اكتفت بدموع سخية وهي تنظر لعلاء .. وتضيق عينيها راجية أن لا يتركها مرة أخرى ..تماما كما كانت تفعل حين كانت صغيرة ..



طلع النهار وعلاء لا يزال مع نورا .. يحدثها ويطمئنها .. كانت سعيدة جدا بوجوده قربها .. لقد عاد إليها بعد أن أكل اليأس جوارحها .. وفضلت أن تموت على أن تعيش بدونه .. رغم إيمانها بالله وبقدره .. لم تستطع تحمل بُعد علاء عنها .. فبمجرد أن نطق كلمة وداعا .. أحست بروحها تنسحب منها .. وبالدنيا تودعها هي الأخرى لا حياة لها بدونه .. فقد اقترنت روحها بروحه منذ عهد بعيد ..
الساعة الآن السابعة صباحا وعلاء لم يذق طعم النوم طيلة ليلته تلك .. وعليه الآن الذهاب لعمله .. طلب من الممرضة أن تمنحها مهدئا حتى ترتاح لبعض الوقت .. وحتى تستعيد بعض قواها .. وأيضا حتى لا تشعر بمغادرته .. بعد لحظات من أخذها للمهدئ .. استسلمت لنوم عميق .. فودع علاء أباها مهنئا إياه على سلامة ابنته .. وخرج على أمل أن يعود بعد الظهيرة .. كان مرهقا تعبا .. قرر أن يعود للبيت ليستريح ولو لساعة واحدة وبعدها يذهب إلى عمله ... بشر والدته باستيقاظ نورا .. ورجاها أن تتركه ينام لبعض الوقت حتى يستعيد بعض نشاطه ...
تسائلت أم علاء ي داخلها وهي ترقب الفرحة في عيني ابنها .. يبدو سعيدا مبتسما رغم هول ما يتعرض له .. هو سعيد بسلامة نورا .. لكن كيف سيتصرف بعد أن تستعيد عافيتها ..
يا لحظه العاثر .. سيجد نفسه بين امرأتين .. هل سيتزوج نورا أيضا .. ماذا سيفعل ؟؟ احتارت أم علاء وهي تفكر في أمر ابنها .. ثم فوضت الأمر لله .. ورجته أن يلطف بابنها ويصلح حاله ..

description(حيرة قلب ) بقلمي Emptyرد: (حيرة قلب ) بقلمي

more_horiz
الجزء التاني عشر

في الشركة ... كان علاء يسابق الزمن .. فعليه أن يُنهي أشغاله عند الظهر حتى يتسنى له زيارة نورا .. كما أن عليه أن يجد عذرا لياسمين التي تنتظر مكالمته .. لن يجد الوقت للخروج معها اليوم أيضا وعليه أن يجد سببا مقنعا ...
- ألو .. ياسمين
- نعم علاء .. كيف حالك .. وكيف حال صديقك ؟؟
- الحمد لله على كل حال .. وأنت كيف حالك ..
- بخير .. اشتقت إليك ..
- وأنا أيضا ..
- هل سنخرج اليوم ..
- .. لا أدري ما أقول .. لكن لدي أعمال كثيرة اليوم .. ولن أستطيع المغادرة باكرا .. على العموم .. لو انتهيت قبل الخامسة مساء .. فسأمر عليك .. سأهاتفك قبلها ..
- حسنا ولو أني أريد رؤيتك .. ولن أكون سعيدة إن لم أراك ولو لمدة بسيطة ..
- سأحاول أن أنتهي باكرا ..
- حسنا .. سأنتظر ..
- لا .. أقصد .. لا تنتظري .. حتى لا تضجرين .. سأحاول أن أمر عليك .. مع السلامة
- مع السلامة ..
أقفل الخط وقد أحس بالدماء الحارة ملأت وجهه .. لم يتعود الكذب أو إيجاد الأعذار .. لكنه مضطر .. حتى لا تشعر ياسمين بشيء ... وضع الملفات جانبا وخرج مسرعا قاصدا المستشفى .. لابد أن نورا استيقظت وقد تحزن إن لم تراه هناك .. هي تعرف كل شيء .. لكنه لن يستطيع مناقشة الأمر معها حتى تستعيد عافيتها ..
أطل من باب الغرفة بقامته الفارعه .. وقده الممشوق .. كانت نورا مستيقظة .. وحولها والداها وإخوتها .. نظرت إليه بلهفة جعلت العيون كلها تتجه إليه .. حيا الجميع ثم جلس على كرسي جلبه له محمد أخوها ...
- الحمد لله على سلامتك
- الله يسلمك ..
- كيف حالك الآن ؟؟
- بخير .. فقط بعض الدوار ..
- سيزول بإذن الله .. لكن عليك أن تتغدي جيدا .. فقد فقدت الكثير ..
- لا أنا بخير الآن ..
بدت في كامل وعيها وقد استعادت اللون الزهري الذي اكتسى وجنتيها وشفتيها .... رغم آثار الضعف والوهن الباديين عليها ... إلا أنها في غاية الجمال .. انتبه علاء للقفازين في يديها فابتسم لموقفها .. وتذكر يدها التي لم تفارق كفيه طيلة الليلة السابقة .. استأذنها لبعض الوقت .. وطلب من أبيها أن يرافقه خارجا .. كان ذهنه يشتغل بسرعة رهيبة .. وقف لبرهة يحاول رص أفكاره وترتيبها .. وبلسان مثلعثم خجول قال :
- سيدي .... لي الشرف أن أطلب يد ابنتك ..
لم يستغرب والد نورا .. لكنه ابتسم وربت على كتفي علاء بلطف :
- لا تتسرع يا علاء .. أنت متزوج .. و نحن لم نستدعك لذلك .. أبدا .. لقد تصرفت راضية من نفسها .. وقد فعلت الصواب .. لكننا لن نطلب منك أكثر مما فعلت ..
استوقفه علاء موضحا والخجل يبعثر كلماته ..:
- سيدي .. أنا .... أنا .. أحب نورا .. وأظن أنك تعرف كيف تزوجت من ياسمين ... قبل الآن لم أكن أظن أن فراقي لنورا سيتسبب لها بكل هذا الألم .. ولو علمت ذلك ما كنت تزوجت ياسمين .. على العموم سأجد حلا فقط أريد بعض الوقت .. لكن حتى لا أسبب أي حرج في ملازمتي لنورا .. أنا مستعد لأن أعقد عليها الآن ..
ابتسم أبو نورا وهز رأسه موافقا ..
- وماذا سأقول .. و قد رأيت بأم عيني قصتكما العجيبة .. وأدرك أن حياة ابنتي رهينة عندك .. مبارك لكما يا بني .. لكن سنعمل بالعرف المتبع ونسأل العروس لربما بعد أن استفاقت يكون لها رأي آخر ..
ضحك والد نورا وهو يصافح علاء بحرارة ويدعوه للدخول إلى نورا ...
وسط الجميع سأل الأب ابنته ..
- لقد طلب مني علاء يدك .. فهل تقبلين يا ابنتي ؟؟
نظرت نورا لأبيها بحيرة وقالت :
- لكنه متزوج يا أبي ..
هنا قفز علاء من مكانه .. واقترب منها ..
- نورا .. بعد الذي جرى .. مستحيل أن أفرط فيك .. مهما كانت ظروفي .. أنت تعلمين حق العلم أني أحبك أنت .. وتعلمين الظروف التي دعتني للزواج من ياسمين .. أمامي شهر قبل العرس سأحاول إيجاد حل ما .. لكن اهم شيء عندي الآن أن تكوني معي ..
- وماذا لو علمت .. سيزعجها الأمر حتما .. وربما ضاع كل ما فعلت لأجلها وأجل والدها ..
- لا تفكري بالأمر .. سأجد الحل بإذن الله .. المهم أن نكون معا .. وبعدها فليكن ما يكون ..
استمر علاء يتحدث لنورا طويلا .. حتى اقتنعت بكلامه ووافقت على طلبه ..
فرح الجميع لهما وباركوا لهما .. وقرروا أن يتم عقد قران نورا على علاء حين تغادر المستشفى ..




لم يبقى علاء بالمستشفى طويلا .. قد غادر بعد أن استأذن من حبيبة قلبه وودع الجميع واعداً إياهم بعودته عند المساء ..
قصد البيت مسرعا ، فأمه لا تعلم بما استجد من أمور .. وعليه أن يخبرها قبل أن تذهب إلى المستشفى ..
بدت حزينة جدا وهي تنصت إلى حديثه .. وبدا كأنه يتأرجح بين السعادة والحزن .. هو سعيد بعودة حبيبته إليه .. وحزين على ياسمين .. قد أدرك في الأيام القليلة التي جمعتهما أنها تحبه ... ولا يدري كيف ستكون ردة فعلها لو علمت بما يجري ...
قالت أم علاء بحسرة :
- كم أنا حزينة على ياسمين .. المسكينة ستتعذب أيضا حين تعلم .. ياااااه ليتنا لم نعرف هذه العائلة ولم نلتقي بهم ..
- هي مشيئة الله يا أمي .. لو علمت ما كان سيجري لأبي حسام وما سيُحملني إياه حينها ما كنت أرسلتك لنورا .. ولأجلت ذلك إلى حين تتضح الأمور .. لكنها إرادة الله .. أن أضيع بين امرأتين .. أنا أيضا أتعذب لأجل ياسمين .. فهي لا تستحق إلا كل خير ..
- وماذا ستفعل الآن يا بني .. أستتزوج امرأتين .. ؟؟
- أتمنى أن تحصل معجزة ما .. لا أدري .. كل ما أعرفه أني لن أستطيع الإبتعاد عن نورا حتى ولو خسرت كل شيء .. أفكر في أن أصارح أبا حسام بكل ما جرى .. وليقرر ما يريد ..
ضربت أم علاء على صدرها خائفة :
- لا يا ولدي .. قد يطردك من عملك .. ويضيع حلمك الذي كافحت من أجله طويلا ..
- لا يهم .. سأبدأ من جديد .. قد أجد فرصة عمل أخرى .. لكنني لن أجد نورا إن ضاعت مني ...
- ليكن الله في عونك .. لكن بني أرجوك رفقا بياسمين .. هي لا ذنب لها في كل ما يجري ..
- لا توصني يا أمي .. صديقيني لو لم تكن نورا بحياتي قبلها ما كنت فضلت عليها فتاة أخرة لكن .. أقدار لا نعرف ما تخبأ لنا ..
رغم حزنه على ياسمين .. إلا أن ذات العينين الذهبيتين .. كانت تعيد البسمة لشفاهه كلما تذكرها وهي تبتسم له ... أدرك أنها قدره و فراقهما يعني الموت لكليهما .. رغم الورطة التي هو فيها الآن .. إلا أنه استعاد سعادته و بسمته الصافية التي كانت قد غادرت محياه منذ ودع نورا في آخر مكالمة بينهما ..
وفيما هو يسبح في أفكاره رن هاتفه .. إنها ياسمين ..
- ألو ..نعم ياسمين ..
- أهلا علاء .. كيف حالك ..؟؟
- الحمد لله .. كنت سأتصل بك حالا ..
- حقا .. يبدو أني أحبك أكثر لأني سبقتك إلى الهاتف ..
تلعثم وهو يحاول أن يجد جوابا ..
- لا فقط كنت منشغلا بعض الشيء .. لقد كنت بالمستشفى وجئت إلى البيت حتى أرتاح قليلا ثم ... اهاتفك كي نخرج .. علي أن أعوضك عن البارحة ..
- آه نسيت كيف هو حال صديقك الآن ..؟؟
- الحمد بخير .. لقد تحسنت حالته .. سأمر عليك بعد ساعة ...
- حسنا سأنتظرك على أحر من الجمر ..
- إذن إلى اللقاء ..
- إلى اللقاء سأشتاق إليك ..
- وأنا أيضا ..
أقفل الخط وقلبه يتمزق ألما .. لا يستطيع أن يبادلها كلمات الحب تلك .. لا يريد أن يكذب عليها .. ولا أن يخبرها الحقيقة .. وستبدأ رحلة جديدة من المعاناة والألم ..



كانت ياسمين تقف في شرفة البيت منتظرة قدوم علاء .. اسرعت النزول إليه بمجرد ما لمحت سيارته .. ودعت والديها .. ثم ركبت بجانبه وقد زينت إبتسامة مشرقة محياها الجميل .. كانت سعيدة جدا برؤيته ... لكنه بدا فاترا هادئا رغم الإبتسامة التي كان يحاول التمسك بها ...
- إشتقت إليك كثيرا .. لا أريد أن يمر يوم من حياتي دون أن أراك ..
ارتبك علاء وتمتم مبتسما ..
- أعذريني .. فمرض صديقي ألهاني بعض الشيء .. لكن الحمد لله لقد تحسن الآن ...
- هل أعرفه .. أقصد هل صديقك هذا يعمل بالشركة ..؟؟
- لا ... لا ... لا تعريفينه إنه صديق قديم .. المهم كيف حالك أنتِ ..؟
- بخير ما دمت قربك ..
كانت كلماتها الرقيقة تجعل علاء يرتجف ولا يدري بم يرد .. لكنه كان يحاول أن يحافظ على اتزانه وتباثه ... ويبدو أن ذلك سيكون من أصعب ما يتعرض له حتى الآن .. فياسمين أيضا لها سحرها وجاذبيتها .. وازدادت الآن رقتها وكلماتها العذبة التي كانت ستجعل أي رجل آخر غير علاء يطير سعادة .. سألها عن المكان الذي تود الذهاب إليه .. لكنها برقتها المعهودة أخبرته أنها لا تريد التسوق اليوم .. بل تريد أن يجلسا في مكان هادئ حتى يتبادلا الحديث لتتعرف عليه أكثر ..لم يجد علاء عذرا يبرر به رفضه فسلم أمره لله .. واتجه لمقهى جميل على شاطئ البحر .. قد ينقذه صوت الأمواج مما هو فيه أو حتى يساعده على الإجابة دون ارتباك ..
اختار مكانا بعيدا عن أعين الفضوليين .. ودعاها للجلوس ..
كان الجو معتدلا .. و الشمس تعلن استعدادها للغوص في الأفق .. منظر يفرح العاشقون لمرآه .. لكن علاء لم يظهر عليه الإهتمام .. فهم مشغول الذهن بشيء آخر ..
- علاء .. أين سنقضي شهر العسل ..؟؟
كان السؤال كالسهم .. جعل أذني علاء تطن فزعا .. شهر العسل كم أنت متفائلة يا ياسمين ... ابتسم مستغربا لكنه حاول استغلال ابتسامته تلك ..
- أينما شئتِ .. على العروس أن تختار .. وما علي غير الإذعان و التنفيذ ..
- أنا أحب أن أسافر إلى بلدان الشرق الأوسط .. أي بلد عربي ..
- ولماذا بلد عربي بالذات ..
- أحب أن أذهب إلى مكان لا أحس فيه بالغربة .. البلدان الأجنبية لا تسثتيرني ..
- صدقتي .. البلدان العربية تبقى عربية ويمكن لنا أن نندمج معهم بسهولة ..
- إذن لا مانع لديك ..
- أبدا .. أنا أحب السفر .. أين ما كان .. ولا أختار بلدا بالتحديد ..
- آه حقا لقد حكت لنا خالتي عن حبك للسفر منذ كنت صغيرا ..
- نعم ... أمي .. إنها تحكي ذلك لكل من تعرفه ..
- إنها تحبك كثيرا .. فهي لا تكف عن الحديث عنك والإفتخار بك .. تعتبرك كنزها الثمين ..
- نعم .. وهي أيضا ثروتي كلها .. لا تعلمين كم تعبت لأجلي .. مهما عملت لن أفيها حقها ..
- حقا هي طيبة جدا وحبها لك كبير جدا ..
- فليحفظها الله لي ويُطل عمرها هو القادر على كل شيء ..
- علاء .. إحكي لي عن طفولتك .. كيف كانت ..؟؟
- هه طفولتي كأي طفل عادية وبسيطة ..
- لا أريد أن أعرف كيف كنت .. مشاغبا .. هادئا .. نشيطا ..
- لا كنت هادئا .. هادئا جدا .. لم أكن أميل للحركة كثيرا .. أحيانا قليلة كنت ألعب الكرة .. لكن ليس دائما ..
- يبدو أنك كنت مميزا .. فخالتي تقول أنك كنت متفوقا في دراستك ..
- الحقيقة أني لم أتفوق في دراستي إلا بعد وفاة والدي رحمه الله .. أحسست أن علي أن لا أخذل أمي .. ولا أزيد من حسرتها .. لقد كانت حزينة جدا لوفاته .. وكنت أريد أن أفعل أي شيء لأخفف عنها ..
- سبحان الله لها الحق في أن تفتخر بك ..
- حقا .. أتعتقدين ذلك ..
- علاء أنت لا تعرف قدر نفسك .. أنت جوهرة حقيقية في زمن كثر فيه الزيف ..
- ها أصبحت شاعرة ..
- لا هذه كلمات والدي .. هو يحبك كثيرا .. وهو من أخبرني أنك ثروة حقيقية لمن يقدر معادن البشر ..
- أبو حسام رجل طيب .. وأنا أحبه كذلك .. لكنني لا أظنني ..
- لا .. لا .. أنا أثق في فراسة والدي .. له نظرة في الناس لا تخيب .. لقد أوصاني أن أتمسك بك ولا أفرط فيك .. فمن الصعب وجود إنسان مثلك في هذا الزمن ..
- لا لا تبالغي .. أنا بشر عادي لي مساوئي و سلبياتي ..
- أعلم أن لكل بشر سلبياته .. لكن ميزاتك الطيبة أكثر .. فأنت مخلص .. طيب .. أمين .. صادق ..
كانت كلمات ياسمين تخترق قلب علاء قبل أذنيه .. هل ستغير رأيها حين تعلم بسره الكبير .. لا يعلم .. لكنه الآن يحاول قدر جهده أن يبدو متماسكا .. ويكبح رغبة كبيرة بالتفوه بكل شيء .. حتى لا يضطر لسماع المزيد ....
بطريقة ما غير علاء وجهة الحديث .. رغم أنه كان متحفظا في كلامه .. إلا أنها كانت في غاية السعادة .. حتى أنها لم تدرك ضجره من الوقت الذي كان يمر بطيئا بالنسبة له .. وكالبرق بالنسبة لها ...



تنهد علاء بأسى وهو يودع ياسمين عند باب بيتها .. كلما تعرف عليها أكثر ... ازدادت حسرته عليها وعلى نفسه .. هي لا تستحق منه أن يصدمها بما يخفيه .. ولكن ما العمل ... ؟؟
أتصل بنورا وهو في طريق العودة .. فأخبرته أنها بالبيت الآن وقد خرجت من المشفى .. فقصد بيتها دون تردد ...
استقبلوه بترحاب وحفاوة .. كانت نورا مستلقية على أريكة ببهو المنزل .. وقد غطت رأسها بخمارها الأسود وارتدت قفازيها .. أبتسمت له بفرح وقد زغردت عيناها لمرآه .. جلس قربها وهو يسألها عن حالها الآن .. كانت مشرقة الوجه رغم ما مرت به .. فقد استعادت لمعان وجهها بعودة علاء إليها .. همس لها بصوت حنون ..
- اشتقت إليكِ ..
لكنها أطرقت بحياء وقد غمر اللون الوردي وجنتاها .. فأتمم بفرح ..
- غدا سنعقد القران وستصبحين لي ..
ابتسمت بحياء و قالت بصوت يكاد لا يُسمع :
- وأخيرا .. لن تتركني مرة أخرى ..
- حتى الموت .. لن أفارقك أبدا مهما كلفني ذلك .. حتى ولو فقدت كل شيء ..
- أرجو من الله أن لا تفقد شيئا بسببي .. لا أريد أن أكون شؤما عليك ..
- ماذا تقولين بل الشؤم كله في بعدي عنكِ .. أتظنين أنني أسعد بدونك .. أبدا حتى ولو وصلت لكل شيء .. سيبقى قلبي فارغا كئيبا من دونك .. لكنني بك أحس أني لدي كل شيء ..
- أحمد الله أن أعادك إلي .. لقد كان كابوسا مفزعا ..
- إنسي كل ما جرى .. فأنا معك الآن ولن أتركك ما حييت ..
- وياسمين .. هي زوجتك الآن ..
تنهد بمرارة وأكمل :
- لا تعلمين كم أتعذب لأجلها .. هي لا تستحق ما أنوي عمله معها .. ولكني لا أريد أن أستمر في الكذب ..
- ستكون الصدمة عليها شديدة .. أرجوك لا تخبرها .. لقد رأيت ما جرى لي حين أدركت أنك ستتركني ..
- تانية يا نورا .. لكني لن أستطيع الإستمرار في الكذب .. أنا لا أحبها وهذا في حد ذاته ظلم لها ..
- تمهل قليلا عل الله يفرج همنا .. لا أريد أن أتسبب في تعاستها .. لا تخبرها شيئا ..
- المهم لننسى أمرها الآن .. دعينا نتمتع بلحظاتنا معا .. فأنا لا أشعر بالسعاة إلا معك ..
حديثيني عنك أريد أن أعرف كل شيء فاتني في السنين التي غبت فيها عني ..
ابتسمت نورا بسعادة و تلعثمت بحياء وهي ترد قائلة ..
- في الحقيقة .. أنت لم تغب عني أبدا .. منذ ودعتك في ذاك اليوم التعيس .. بكيت كثيرا حتى قلقت والدتي علي .. وحاولت أن تهدأ من روعي .. أخبرتني أن أكف عن البكاء .. و التزم بالصلاة والدعاء لله حتى تعود إلي .. ومنذ ذاك اليوم .. لم أنم ليلة دون أن أتضرع لله أن يجمعني بك .. كنت معي أينما رحلت أو ارتحلت .. حتى أني كنت أحدثك في خلوتي .. أحكي لك حكاياي اليومية .. أعاتبك أحيانا على غيابك الطويل .. لكن الأمل في أن نلتقي يوما كان حافزي الأكبر .. كي أعيش وأستمر .. حتى استجاب الله لي .. وأتت والدتك إلينا .. لقد سجدت لله طويلا أشكره على أن حقق أمنيتي .. وأعادك إلي .. والتقينا .. لأصدم بحقيقة ظروفك .. لكنني لم أخف .. فقد قرأت علامات الشوق في عينيك .. وأدركت بقلبي أنك لا زلت تذكرني .. وحقا تحبني .. ورغم أني شجعتك على الإستمرار في موقفك مع عائلة ياسمين وذاك ما كان ضميري يفتيه علي .. لكن قلبي لم يتحمل فكرة بعدك عني .. كان وداعك لي عبر الهاتف ضربة قوية لم أستطع تحملها ..
- سأعوضك حبيتي عن كل ما فات .. لا أريد لأي ذكرى مريرة أن تكدر صفوك و تحرمني من ابتسامتك الرائعة.. أنا أيضا لم أنساكِ أبدا ... كنت تقفزين من بين أفكاري بملامحك الطفولية الجميلة دائما .. بجملة ما أو بملاحظة ما .. تأتين كأنك لا تريدينني أن أنشغل عنك .. في وقت لا أتوقع فيه أبدا أن أتذكر شيئا عما مضى ... كان صوتك يرن بأذني .. فأبتسم لتلك العينين الذهبيتين ..في يوم كنا مدعوين أنا ووالدتي لبيت أبي حسام بمناسبة نجاح ياسمين .. ذهبت لشراء هدية لها لم أعرف ما يناسبها فرجوت فتاة بعمرها كانت هناك بالسوق المركزي أن تساعدني بالإختيار .. وقفت بركن في دكان حلي هناك .. وبينما أنا أنتظر .. وإذا بشبح أسود يمر من قربي .. لم أنتبه له إلا عندما رأيت وجها لؤلئيا يتوسط السواد .. وعينين ذهبيتين سبحان من خلقهما وأبدع .. جُن جنوني عندما عدت لأراك وقد اختفيتِ بحثث عنك في كل أرجاء السوق لكنك كنتِ كحلم .. لم أجدك .. وأدركت أن شيئا ما يربط بينك وبين صاحبة الرداء الأسود .. لقد كبُرتِ واكتمل حسنك .. وأنا لازالت في ذاكرتي صورة الطفلة الصغيرة .. بعينيها الذهبيتين .. لم أنم ليلتي تلك .. و قررت أن أجعل والدتي تبحث عنكِ .. لكن سبحان الله في اليوم الذي قررتم زيارتنا فيه وقع ما وقع لأبي حسام .. هي حكمة الله ..
- أذكر أني ذهبت لشراء هدية لإبنة خالتي .. كان حفل زفاها قريبا .. لم ألحظ وجودك .. ي أي دكان ..
- كانت عيناك تتجول بين البضائع بتركيز ولم تنتبهي لشاب وسيم ينظر إليك بذهول ..
ضحكا معا .. وقد ملأت السعادة شغاف قلبيهما .. كان وسط البهو يتناجيان بهمس لا يشعران أبدا بما يجري حولهما .. كأنهما انفصلا عن العالم كله ..



عاد علاء للبيت متأخرا .. كان سعيدا جدا ... قد امضى ساعات مع حبيبة قلبه .. ساعات قليلة من السعادة جعلته ينسى كل همومه وآلامه ..
جلس إلى والدته .. يحكي لها عن نورا ...
- لم اكن أعلم أن في الكون امرأة تجعلني أنسى الكون كله بين يديها .. لقد نسيت كل شيء وأنا معها لأتوه في بحر عينيها التي تحكي أساطير عشق لا تنتهي .. ياااااااااااه كم كنت غبيا حين قررت الإبتعاد عنها .. إنها دنيا بأكملها ومعها أحس أني لا أحتاج شيئا ولا أريد غير تأملها ... أمي غدا سنعقد القران .. ولا أريد لأي شيء في العالم أن يكدر صفونا .. اريد أن أكون خاليا من كل ما قد يزعجني ويزعجها ..
- آآآه يا بني .. قلبي ينفطر لأجل تلك المسكينة .. ولا أدري أأفرح لك .. أم أحزن عليها ..
- ليس بيدي شيء أعمله .. لقد ضحيت بسعادتي وراحة بالي لأجل ابيها .. ولولا ولائي لذاك الرجل الطيب ما كنت في هذه الورطة الآن ..
- ياسمين كانت تحبك قبل كل هذا .. كنت أرى ذلك في عينيها .. وهي تحاول أن تسأل عنك برموز وإشارات .. هي أيضا تهيم بك .. و لا أعلم ما الذي سيحل بها عند معرفتها بأمر نورا ..
- أمي ..لا أريد أن أتذكر كل هذا ولو ليلة واحدة فقط .. أريد أن أعيش فرحتي .. سأبلغها أني سأكون مشغولا ليوم كامل ولن أستطيع رؤيتها .. حتى لا تتصل بي ... وبعد الغد ليفعل الله ما يريد .. لكني أبدا ومهما كان لن أعيد الخطأ وأترك من أحبها وأسعد بقربها ..
تنهدت أم علاء بحسرة وحزن .. واستأذن علاء ليذهب إلى فراشه .. فغدا يوم السعد ولن يكدر أفكاره بشيء ..
هاتف ياسمين ليخبرها عن انشغاله في يوم الغد ... حاولت ان تستدرجه في الكلام حتى يطيل الحديث إليها .. لكنه تملص منها بعذر أنه تعب جدا ... وعليه أن يرتاح فوراءه يوم شاق وطويل ..
أقفلت ياسمين الخط ... و قد أخذت منها الوساوس والأفكار مأخذها .. لازال إحساسها أنه لا يحبها يزورها أحيانا .. لا تشعر بلهفته عليها .. ولا بشوقه إليها .. كلامه مقتضب خجل .. رغم مبادراتها بالحديث .. يصر على أن لا يتفوه بكلمة غزل أو حب .. حديثه معها رسمي جدا .. رغم أنه يحاول أن يكون رقيقا معها .. لكنه يحترس من أن يلفظ لسانه أية كلمة تشرح مشاعره .. تحدثت إلى والدتها في الأمر .. لكنها هذه الأخيرة أصرت على أن علاء محترم وجاد .. وعليها أن تتفهم طبعه و لا تصدق شكوكها .. فكرت كثيرا لكن فكرة أن يكون على صلة مع فتاة أخرى هذا ما استبعدته تماما .. الكل يعرفه جيدا ويعرف أخلاقه ومبادئه ..فرغم أن شركة والدها مليئة بالموظفات الشابات الرائعات الجمال .. لكنه لم يسبق أن تحرش بإحداهن أو تقرب إليهن .. ويشهدون له بذلك .. فقد كانت تجالس سكرتيرة والدها كثيرا وتستفسر منها عن كل ما يخص علاء .. وكانت هي تؤكد لها أنها لم ترى شابا في مثل خلقه واتزانه .. إذن ما الذي يبعده عنها .. ؟؟ لماذا لا تشعر حبه لها ,,؟؟ لماذا يصر على أن تبقى أحاديثهما واتصالتهما رسمية جافة من أية مشاعر .. ؟؟
لابد أن تعرف .. وستواجهه بكل هذا لتعرف .. سر هذا الرجل .. الذي احتارت فيه وفي أحواله ؟؟




أشرق صبح جديد .. وأشرقت معه ملامح علاء .. اتجه لمائدة الإفطار وقد زين وجهه بابتسامة رائعة ... اليوم سيقترن بحبيبته إلى الأبد .. اليوم .. ستصبح نورا ذات العينين الذهبيتين زوجته .. قبل أن يخرج من غرفته هاتفها ... ليجدها أكثر منه سعادة وفرحا ... أخبرته أنهم لم يناموا طول الليل .. قد كانت السيدة راضية تستعد لحفل ابنتها الوحيدة كما تعاون الجميع لتزيين البيت وتحضير الحلويات .. الكل سعيد لسعادة نورا .. والكل يعمل بنشاط ليكون حفل قرانها حفلا لا يُنسى .. وهي الآن أيضا ستبدا بتجهيز نفسها لتكون أجمل عروس في الكون ..
لم تشأ أم علاء أن تنغص فرحة ابنها .. فأخفت حزنها على ياسمين .. ورسمت على ملامحها ابتسامة سعيدة حتى لا يتكدر ابنها العزيز وكم كانت تتمنى لو أنه وجد حلا مع ياسمين قبل أن يتزوج نورا .. لكن جرت الأمور بسرعة ودون ترتيب ..
مر الفترة الظهيرة والكل منهمك بالإستعداد للحفل البهيج .. قد دعت أم علاء جيرانها حتى يساعدونها وكانت سناء وأمها على رأس المدعوين للحفل .. الكل سعيد والكل يعمل بجد ... حتى سناء كانت سعيدة لسعادة علاء ووالدته .. لقد حزنت يوم تزوج ياسمين لأنها كانت تعلم أنه لا يحبها .. ورغم أنها لم تحظ بقلبه لكنها تتمنى له السعادة من كل قلبها ..
مر الوقت سريعا أنهى علاء عمله ثم اتجه للسوق المركزي هذه المرة لم يحتر في اختيار هدية لحبيبته فكان يشتري كل ما تقع عليه عيناه من حاجيات .. ولو استطاع أن يحمل كل للسوق إليها لفعل .. مر الوقت سريعا و استعد الجميع للذهاب إلى بيت نورا ... </B>

وهناك كان والدها وأخوتها وخالاتها في انتظارالعريس وأسرته .. علت الزغاريد وتناثرت الورود وكان استقبالا رائعا .. بعد أن قرأ علاء ووالد نورا الفاتحة .. عقدوا القران والكل فرح مبتهج .. . وبعد فترة علت الزغاريد لتظهر نورا .. </B>



بدت كلوحة رائعة بفستانها الأبيض المزين بورود بيضاء وخرز لامع ... وقد التف بوجهها القمري وشاح أبيض براق ... لوحة باهرة الجمال أبدع في صنعها الخلاق العظيم ..
اتجهت الأعين لتبتسم بإعجاب وتسبح بانبهار .. أما علاء .. فما كان منه إلا أن حملق بذهول وهو يحدث نفسه .. ما أجملك يا أميرتي .. تقدمت نورا بخطى خجلة إلى حيث كان يقف علاء مذهولا في انتظارها .. ووضعت والدتها يد العروس في يد عريسها ثم أطلقت زغرودة طويلة ..
أحاطت نظرات الحاضرين العروسين بإعجاب .. فسبحان من صورهما وأبدع .. قبلتهما أم علاء والدموع تنهمر من عينيها دون توقف .. حقا وكأنهما خلقا لبعضهما ... فمنظرهما وهما جنبا إلى جنب كأنهما خلقا معا ...
مرت ليلة من أجمل الليالي على علاء ونورا .. فقد أصبحا الآن زوجين ..



كان يوم طويل .. انتظرت ياسمين أن يهاتفها علاء لكنه لم يعل .. ما هو هذا العمل الهام الذي يشغله طول اليوم وحتى مساء .. حاولت الإتصال به لكن هاتفه مغلق .. سيطرت عليها الشكوك حاولت الإستفسار عن العمل في الشركة عن طريق والدها .. لكنه لم يشفي غليلها .. فاتصلت السكرتيرة التي أخبرتها أن علاء تغيب مساء لكنها لا تعلم أية معلومات .. هو لم يخبرها بشيء ..
زادت وساوسها .. وقضت طيلة الليل تفكر في سبب انشغاله عنها لذلك اليوم .. لكنها قررت أن تعرف غدا كل شيء ..

*************************************
مرت ليلة من أروع ليالي العمر على العروسين ... كانا في عالم آخر يضمهما لوحدهما رغم الأهل المحيطين بهم .. كانا يتهامسان برقة ويضحكان بين الفينة والأخرى غير آبهين عيون كانت تراقبهم عن بعد ..
إنها سناء .. كانت تنظر إليهم طويلا و تتأمل جمال وجه العروس وجاذبية ووسامة العريس .. و تهمس لنفسها أنهما خلقا لعضهما .. وما هي وياسمين سوى عابرين مروا بهم وعليهم أن يغادروا ليتركوا هذين الطائرين يسعدان بحياتهما .. كانت تتأمل مبتسمة ولم تنتبه لعيون كعيون نورا تراقبها من بعيد ...

سمع طرقات خفيفة على الباب .. فأذن للطارق بالدخول .. لم تكن سوى ياسمين التي صممت على أن تباغته في مكتبه وتحاول معرفة ما يخفيه عنها ..
- السلام عليكم .. كيف حالك ..؟؟
- ياسمين يا لها من مفاجئة ..
- سارة أم مزعجة ..
- طبعا سارة مرحبا بك ..
- اشتقت إليك ولم أستطع الصبر حتى تتصل بي قلت لنفسي أزورك هنا وأراك ..
- مرحبا بك فالشركة شركتك .. كيف حال والدك هل هو أحسن ..
- يتحسن والحمد لله .. سيبدأ التمارين الترويضية عند بداية هذا الأسبوع .. لقد أخبره الدكتور أنه قد يستعيد المشي إن بدل مجهودا جيدا ..
- أخبار سارة فعلا .. أتقصدين أنه قد يمشي مجددا ..؟؟
- هذا ما قاله الدكتور البارحة ..
- لا أصدق .. كم أنا سعيد لذلك .. سأزوره عند انتهائي من بعض الأعمال .. خبر كهذا يستحق التهنئة ..
- سيسر برؤيتك .. أين قضيت نهار البارحة ..؟؟
تظاهر علاء بتقليب بعض الملفات بين يديه ثم أجاب ببرود مصطنع ..
- كنت في مهمة خاصة ..
- خاصة .. كيف ؟؟
- كنت في مهمة مع صديق لي .. خصصت له البارحة كي أساعده في تجهيز أوراق له ..
- وهل كان هذا يمنعك من أن تتصل بي وتطمئنني عليك ..
- لا أبدا كنا منهمكين جدا في الركض بين المكاتب لتجهيز بعض الأوراق ...
- تعلم أني لا أريد ليوم أن يمر دون أن أراك .. أرجوك لا تنشغل عني ..
ارتبكت حركة يديه وهو يسمع رجائها .. حدثثته نفسه بأن يخبرها .. وينتهي .. لكنه تراجع وهو يرى نظراتها الحانية .. أدرك أن الخبر سيكون كالصفعة بالنسبة لها .. وعليه أن يختار الوقت المناسب لذلك .. حاول أن يُطري الجو بابتسامات وكلمات طريفة .. ثم عرض عليها الذهاب للمنزل حتى يطمئن على أبي حسام .. لقد فرح كثيرا بما أخبرته ياسمين.. بشفاء والدها ستنتهي كل هذه المتاعب .. وتعود الأمور لنصابها ..



استقبله ابو حسام .. بابتسامة واسعة كعهده دائما .. ابتسامته تلك تجعل علاء يتراجع عن كل قرار قد يتخذه ... تبادلا التحية بحرارة وهنئه علاء وتمنى له قرب الشفاء بإذن الله ...
لم يُطِل علاء المكوث لديهم .. سرعان ما اعتذر وغادر بعد أن وعد ياسمين أن يتصل بها مساءاً ..
لكن ياسمين لم تستسلم وزادت شكوكها ووساوسها بعد زيارتها له .. وبعد الظهر قررت مفاجأة والدة علاء في بيتها .. استقبلتها هذه الأخيرة بحفاوة وفرحت لزيارتها أيما فرح ..
جلست المرأتان تتبادلان أطراف الحديث .. وسرعان ما بدأت ياسمين ببث شكوكها وحيرتها ناحية علاء .. لم تجد والدة علاء ما تقول .. واكتفت بنفي كل ذلك محاولة إقناع ياسمين أن لا شيء في الأمر يدعو لحيرتها .. لكن هذه الأخيرة أصرت على أن علاء يخفي شيئا تريد أن تعلمه .... بعد إلحاح من ياسمين شديد أخذت أم علاء تتمتم وقد ضاعت بين أن تخبرها وتنهي الأمر أو أن تصمت .. لكن رجاء ياسمين أضعف همتها .. وضمت كفيها بثوتر ... وقصت عليها الحكاية من أولها لآخرها .. كانت بين الفينة والأخرى تعتذر باكية لياسمين و تؤكد لها أن علاء لم يقصد أبدا أن يتلاعب بها أو يجرح مشاعرها لذلك لم يستطع إخبارها حتى الآن .. لكنها لم تستطع إخبارها أن علاء قد تزوج نورا .. فيكفي ما تجرعته من مرار .. انفجرت ياسمين باكية فضمتها أم علاء لصدرها وهي تبكي لبكائها ..
تركت بيت أم علاء وقد نال منها الحزن والألم فوق ما يحتمل بشر .. علاء لايحبها بل يحب أخرى هذا ما لم تتوقعه قط .. لم تتوقع أن في حياته فتاة قبلها ومنذ كان صغيرا .. قد كانت شكوكها صحيحة علاء لم يبح لها بكلمة حب واحدة حتى بعد أن أصبحا زوجين .. يصر على أن تبقى علاقتهما عادية وليست علاقة زوج بزوجته .. أدركت بحسها الأنثوي أن لديه أمرا يخفيه رغم أنها استبعدت كون امرأة أخرى في حياته لكنها توقعت أن يكون هناك شيء يمنعه من معاملتها معاملة الحبيب لحبيبته .. وهاهي الآن عرفت كل شيء .. ولها أن تقرر كما أخبرتها أم علاء ..





في هذا الوقت كان علاء يزور نورا .. كان في عالم آخر .. لقد استقبلته نورا ولأول مرة بدون الرداء الأسود .. بدت آية في الحسن والجمال .. وجه كالقمر وعيون واسعة في لون الذهب وقوام سبحان من أبدع وصور .. وشعر حريري في ظلمة الليل .. ما إن وقعت عليها عيناه حتى فغر فاه و جحظت عيناه .. و علم أن ذاك الرداء الأسود كان يخفي جمالا لا نظير له .. أخذ يديها بين يديه و همس مذهولا
- ما أجملك ..!!!!
في ليلة عقد القران بدت رائعة الجمال في ثوبها الأبيض الجميل .. لكنه أيضا أخفى عنه الكثير .. هي الآن في لباسها البسيط تبدو أروع وأجمل خاصة وقد زين ناصيتها شعرها الأسود الجميل ..
كانت تبتسم له بحياء .. بينما تاه هو في عينيها ولسانه يلهج بكلمات الحب والوله دون توقف ..
- أحمد الله .. أنك كنت محجبة .. وإلا لكانوا خطفوك مني ..
ردت ضاحكة ..
- لا أحد يستطيع ذلك فقد خطف قلبي شاب وسيم منذ زمن طويل ..
- أنا الآن أحسد نفسي .. فأنا مع أجمل امرأة في الكون ..
- لا تبالغ .. حتى لا أغتر ..
- لك أن تغتري كما تشائين .. فكل شيء مباح لهذا الغزال الشارد ..
مر الوقت سريعا وهما يتبدلان كلمات الغزل والحب وقد بديا في قمة السعادة .. لكن شبح ياسمين ترائى في الأفق .. لتفتح نورا سيرتها وهي تتسائل بهمس :
- ألم تفكر بعد .. في حل مع ياسمين ..
-لا .. لكن والدها يثماتل للشفاء .. وسأخبره بالأمر قريبا وأنهي كل شيء ..
- لكن ياسمين تحبك .. وحرام أن تعذبها ..
- نورا .. لكني لا أحبها .. لا أشعر نحوها بأية مشاعر .. هي كأخت عزيزة علي .. ولن أسعدها مهما حاولت ..
- لدي رأي أرجو أن يروقك ..
- ماذا ..
- فلتبقى زوجتك .. وأنا كذلك ..
- أتقصدين .. زوجتين .......
- نعم ....
- لا .......... مستحيل .. لا أستطيع .. لن أكون عادلا مهما حاولت .. نورا أنا لا أرى امرأة في الدنيا سواكي .. فكيف سيكون حالي معها .. أفضل أن أسرحها بإحسان الآن فلم يحدث بيننا شيء .. على أن أتزوجها وأتعسها أكثر .. أعرف أنها تحبني .. لكن ظلم لها أن لا أبادلها هذا الحب ..
أطرقت نورا ولم تعقب .. لكنه قال مدعيا الحزن :
- ألا تغارين علي .. تقبلين أن تزاحمكِ أخرى ..
- لا .. أنا أغار عليك من الهواء الذي تتنفسه .. لكني عانيت حين قررت تركي الأمرين ولا أدري كيف ستكون معاناتها .. حقا هي لم تُذنب في شيء ولا تستحق ماجرى ..
- حكمة الله ولا يد لنا في كل هذا ..
على العموم دعكِ من هذا كله .. بشكل أو بآخر ستعرف .. وسينتهي كل شيء .. ولكن أهم شيء يهمني الآن أن أكون إلى جانبك ولا أفارقك أبداً ...
تسائل الجميع في بيت أبي حسام لتغير حال ياسمين المفاجئ .. لقد انطفأ بريق عينيها و هجرتها الإبتسامة والمرح ..حتى حماسها توقف بغتة ولم تعد تفكر بصوت عال في الأشياء التي عليها تحضيرها لزفافها المرتقب .. حاولت أمها معرفة سر هذا الحزن الذي يسيطر على تصرفاتها .. لكنها فشلت ولم تفهم سببا لحال ابنتها .. لكن تساؤلها لم يستمر طويلا .. فقد جلست ياسمين إليها مساء مؤذنة ببداية حديث طويل ..
- ماما .. علي أن أخبرك عن شيء مهم ..
- يا ريث حتى أعرف سبب حالك هذا ..
- لا أريد الزواج من علاء ..
وقفت أمها فزعة ..:
- ماذا تقولين .. إنه زوجك الآن هل نحن نلعب يا ياسمين .. ثم أنك تحبينه بجنون وهذا ما لا تستطيعين إخفائه ..
- لم أعد أحبه .. تفكيره غير تفكيري وطباعه غير طباعي .. نحن متناقضان تماما .. لم أعي ذلك إلا بعد اقترابي إليه ..
- أي تخريف هذا .. وهل اكتشفتي كل هذا فجأة .. لقد عدت قل أيام من نزهتك معه وأنت ترقصين فرحا .. لم يبدو عليك أبذا أنك تفكرين حتى في هذا التخريف ..
- أمي أنا من سيعيش مع هذا الإنسان في بيت واحد و أنا أدركت أن كل مشاعري نحوه كانت عابرة ..
- ماذا تقولين من يصدق هذا الهراء .. ماذا جرى لك هل جُننتي ..؟؟
- لا لم أجن كل ما أعرفه أني لا أريد هذا الزواج ولن أقول أكثر ..
تركت والدتها مذهولة واحتمت بغرفتها لتبكي بحرقة وألم .. لقد تزوجها علاء تنفيدا لرغبة والدها ومراعاة لظروفه وعليها أن تُحله من هذا كله وتُعيد إليه حريته .. ودون أن تعرضه لحرج هذا ما توصل إليه تفكيرها بعد ما عرفته من أم علاء وعليها الآن أن تحاول إقناع والدها بما تفكر فيه حتى يتم الطلاق ..
عاد علاء إلى البيت متأخرا وهو يفكر في الإتصال بياسمين عليه أن يجد مبررا جيدا لعدم اتصاله بها بعد الظهر .. استغرب لوضع والدته .. تبدو شاحبة حزينة .. تُرى ما الذي جرى هتف بها متسائلا :
- ما بك أمي .. لم أنت حزينة هكذا ..
- أهلا بني .. إجلس و استرح فلدي خبر مهم لك .. لا أدري أيحزنك أم يسرك ..
- خبر ... أي خبر .. ؟؟
- ياسمين لقد كانت هنا هذا المساء ..
- كيف ..؟؟ لم تخبرني كانت في الشركة صباحا ولم تخبرني بنيتها في زيارتك ؟؟
- لقد أكلتها الشكوك من ناحيتك .. ففكرت أن لدي الخبر اليقين .. لذلك زارتني ..
- وماذا قلتِ لها ..
- كل شيء .. لقد أقنعتني أنها لابد أن تعرف سرك .. فهي لا تريد أن تبدأ حياة غامضة معك ..
جحظت عيناه .. لكن في أعماقه كان يشكر الله أنها علمت بكل شيء
- كان لابد أن تعرف .. حتى ننتهي من كل هذا ..
- لكن يا بني .. لقد كانت حزينة جدا لما سمعت .. هي ظنت أن يكون سبب برودك اتجاهها أي شيء إلا امرأة أخرى .. كانت الصدمة عليها شديدة ..
- هل علمت بزواجي من نورا ..؟؟
- هذا ما لم أستطع التفوه به .. كفاها ما سمعت .. لقد آلمني حالها كثيرا ولا أدري كيف ستتصرف .. أو ماذا ستقرر ..
- مهما كان تصرفها .. سأتقبله .. وأنتهي من هذا الكابوس ..
- لقد تفهمت ظروف زواجك بها .. وأخبرتني أن لا أخبر والديها بشيء حتى تصل لحل ينهي ما بينكما ..
- كنت متأكد أنها فتاة عاقلة .. وأنا آسف جدا لكوني خذلتها ..
- أقدار يا بني .. لا نري ما تخفي لنا ..
اختلطت عليه مشاعر الفرح لقرب نهاية الكابوس ومشاعر الحزن للألم الذي سببه لياسمين .. وبقي الحاجز الأكبر والد ياسمين ..
تململ أبو حسام منزعجا لما يسمع .. كانت أم حسام تتكلم بعصبية وغضب عما سمعته من ياسمين ..
- ماذا تقولين .. تريد الطلاق من علاء .. ؟؟ هل تشاجرا .. ؟؟
- لا أدري لقد تغير حالها منذ يومين وهي الآن تقول أنها أدركت أنها لا تحبه وتريد الإنفصال ؟
- هل جُنت هذه الفتاة .. لقد كانت في غاية السعادة معه .. كيف تريد الإنفصال .. نادها أريد أن أعرف ما الأمر ..
ذهبت أم حسام لمناداة ياسمين .. التي كانت تنصت لجدال والديها بثوتر ..
صرخ والدها في وجهها متسائلا عن مدى صحة ما سمع .. فهزت رأسها مؤكدة ذالك .. طلب الأسباب .. فتمتمت بارتباك :
- أحسست أننا لسنا منسجمين .. أفكارنا متناقضة ..
- لهذا السبب فقط .. تُضيعين زوجا كعلاء .. أتعلمين أني اخترته لِما رأيته فيه من أخلاق عالية و تفكير سليم ..
- لا أنكر هذا يا أبي لكني لا أشعر نحوه بأي شيء .. بل على العكس يبدو كأخ لي أو والد ..
- تفاهات .. كل ذلك يأتي بعد الزواج وليس قبله ..
- أبي لن أستطيع إتمام زواجي به .. كما قلت لك .. كنت أظن أني أحبه .. لكني أدركت أني كنت واهمة .. ولا أريد أن أعبث به أو بنفسي ..
- فكري جيدا يا ياسمين فعلاء شاب قل مثيله في يومنا هذا وقد اخترته زوجا لك لقناعتي بأنه أصلح لك من غيره ..
- هذا قراري أبي ولن أتراجع عنه ..
- فكري جيدا .. فطلاقك منه يعني إثارة الإشاعات حولك وقد تتأذين من ذلك .. ستفكرين في الأمر جيدا خذي الوقت الكافي .. لا أريد ردا الآن .. هيا انصرفي إلى غرفتك ..
خرجت ياسمين من غرفة والدها حزينة و قد أدركت أن والدها غاضب لقرارها هذا .. لكنها ستصمم على رأيها وستحل علاء من عهد أجبر على أخذه على نفسه .. هو لا يحبها بل يحب أخرى ولن تكون عقبة في طريقه .. كما أنها لا تريد لوالدها أن يخسر موظفا مثله .. بما أن قرار الطلاق يبدر منها .. سيرتفع عن علاء الحرج وسيتشبث به والدها أكثر ..
ارتمت على سريرها تندب حظها التعس .. وترجو من الله أن يخفف عنها ويُنسيها أول شاب ملك عليها حواسها .. كم كانت سعيدة به قبل أن تعلم أن قلبه مع أخرى ..


تململ أبو حسام منزعجا لما يسمع .. كانت أم حسام تتكلم بعصبية وغضب عما سمعته من ياسمين ..
- ماذا تقولين .. تريد الطلاق من علاء .. ؟؟ هل تشاجرا .. ؟؟
- لا أدري لقد تغير حالها منذ يومين وهي الآن تقول أنها أدركت أنها لا تحبه وتريد الإنفصال ؟
- هل جُنت هذه الفتاة .. لقد كانت في غاية السعادة معه .. كيف تريد الإنفصال .. نادها أريد أن أعرف ما الأمر ..
ذهبت أم حسام لمناداة ياسمين .. التي كانت تنصت لجدال والديها بثوتر ..
صرخ والدها في وجهها متسائلا عن مدى صحة ما سمع .. فهزت رأسها مؤكدة ذالك .. طلب الأسباب .. فتمتمت بارتباك :
- أحسست أننا لسنا منسجمين .. أفكارنا متناقضة ..
- لهذا السبب فقط .. تُضيعين زوجا كعلاء .. أتعلمين أني اخترته لِما رأيته فيه من أخلاق عالية و تفكير سليم ..
- لا أنكر هذا يا أبي لكني لا أشعر نحوه بأي شيء .. بل على العكس يبدو كأخ لي أو والد ..
- تفاهات .. كل ذلك يأتي بعد الزواج وليس قبله ..
- أبي لن أستطيع إتمام زواجي به .. كما قلت لك .. كنت أظن أني أحبه .. لكني أدركت أني كنت واهمة .. ولا أريد أن أعبث به أو بنفسي ..
- فكري جيدا يا ياسمين فعلاء شاب قل مثيله في يومنا هذا وقد اخترته زوجا لك لقناعتي بأنه أصلح لك من غيره ..
- هذا قراري أبي ولن أتراجع عنه ..
- فكري جيدا .. فطلاقك منه يعني إثارة الإشاعات حولك وقد تتأذين من ذلك .. ستفكرين في الأمر جيدا خذي الوقت الكافي .. لا أريد ردا الآن .. هيا انصرفي إلى غرفتك ..
خرجت ياسمين من غرفة والدها حزينة و قد أدركت أن والدها غاضب لقرارها هذا .. لكنها ستصمم على رأيها وستحل علاء من عهد أجبر على أخذه على نفسه .. هو لا يحبها بل يحب أخرى ولن تكون عقبة في طريقه .. كما أنها لا تريد لوالدها أن يخسر موظفا مثله .. بما أن قرار الطلاق يبدر منها .. سيرتفع عن علاء الحرج وسيتشبث به والدها أكثر ..
ارتمت على سريرها تندب حظها التعس .. وترجو من الله أن يخفف عنها ويُنسيها أول شاب ملك عليها حواسها .. كم كانت سعيدة به قبل أن تعلم أن قلبه مع أخرى ..

description(حيرة قلب ) بقلمي Emptyرد: (حيرة قلب ) بقلمي

more_horiz
الجزء الثالث عشر



انقطع الإتصال بين ياسمين وعلاء منذ أيام .. كأنهما أصبحا غريبان عن بعضهما وعقد الزواج ذاك لم تعد له قيمة بعد أن عرفت ياسمين ما عرفته .. هو الآن ينتظر ما سيكون .. كان يرتجف كلما رأى اسم أبي حسام على شاشة هاتفه .. كان يتوقع أن يصرخ به كلما اتصل .. لكن هذا الأخير لزال يحتفظ بصوته الحنون الدافئ .. وهو يثني عليه على همته ونشاطه في العمل ..
اتصلت نورا هذا المساء فقد كان هناك خبر جميل .. أخبرته أن محمد أخوها معجب بسناء .. ويود خطبتها .. ابتسم بفرح وهو يخبر أمه ويطلب منها أن تستشير سناء في الموضوع ..
زغردت والدة علاء بفرح .. فسناء لها مكانة خاصة في قلبها ويسعدها أن تفرح بها ..
تركت علاء يعيد الإتصال بنور قلبه وعينيه وذهبت لسناء كي تزف لها الخبر ..
جلست بين سناء ووالدتها وهي تبتسم مبشرة :
- حان الوقت لأفرح بغاليتي سناء ..
نظرت إليها سناء باستغراب بينما أخذت والدتها تستفسر بشوق ..
وجهت أم علاء الحديث لسناء مبتسمة :
- سناء تذكرين محمد شقيق نورا ..
- نعم .. أذكره ..
- هو معجب بك .. ويريد الزواج منك ..
- معجب بي أنا ..
- نعم .. صحيح أنه لا زال طالبا .. لكنه سيتخرج السنة القادمة .. وسيكون له مستقبل رائع فاختصاصه مطلوب وبإذن الله سيحصل على وظيفة بمجرد إنهائه لدراسته ..
ما رأيك حبيبتي .. هل تقبلين ..
استسلمت سناء لصمت طويل وهي تفكر في محمد هذا .. لقد لا حظت مراقبته لها ليلة قران علاء على نورا .. لكنها لم تتوقع أن يصل الأمر للزواج .. كما أنه بدا صغير السن كثيرا .. لكنه وسيم جدا له عيني نورا وملامحها ..
ألحت أم علاء على سناء لتجيب .. لكنها طلبت منها مهلة لتفكر .. فالأمر ليس سهلا النسبة لها .. فلازال في أعماق قلبها شبح علاء يقبع بصمت وهدوء ..




حاول أبو حسام جاهدا مع ياسمين لترجع عن قرارها .. وبخها .. عنفها .. لكنها قابلت كلامه بالبكاء والإصرارالشديد على الطلاق .. تأسف لذلك طويلا .. وأخبر ابنته أنها تُضيع فرصة هامة في حياتها .. لكنها كانت في أعماقها تتأسف لهروب الفرصة منها .. إلا أنها ستفوض أمرها إلى الله وهو الذي سيعوضها عما ضاع منها ..
كانت تقضي الساعات الطوال في غرفتها حزينة يائسة .. بل كان البيت كله حزينا لحزنها ولقرارها المفاجئ .. وكانت مضطرة لمواجهة تعنيف والدها وتوبيخ والدتها .. كلاهما أصبحا يفكران في طريقة ما ليخبرا علاء بما قررته ياسمين .. الموقف محرج خاصة وأن أبو حسام هو من اقترح أمر الزواج على علاء ...
اليوم قرر أن يخبر علاء بعد أن سأل ياسمين للمرة الأخيرة وترجاها طويلا كي تعدل عن موقفها .. لكنها كانت أشد تشبثا به عن قبل ..
طلب علاء هاتفيا ودعاه لزيارته في البيت .. كان مرتبكا خائفا .. وهو يخبر والدته بالأمر ..
- أمي .. ما العمل الآن ماذا سأقول لأبرر كل ما حصل ..
- بني لا تخف و اسرد عليه القصة كاملة .. هو رجل طيب .. ويحبك كثيرا وسيتفهم موقفك ..
- وهل سيحبني أكثر من ابنته .. أخشى أن أضطر لترك العمل في الشركة .. بعد كل ما وصلت إليه .. سأضطر للبداية من جديد ..
- المهم أن ترتاح يا بني وتخرج من هذه الورطة حتى ولو اضطررت للبداية من جديد ..
- معك حق يا أمي .. على العموم سأذهب لمقابلته وليفعل الله ما يريد ..
لم يتم علاء جملته حتى انطلق هاتفه بالرنين ..
- إنها نورا ..
قال لأمه موضحا ..
- ألو نعم بنور القلب والعين ..
- ألا تكف عن الغزل ..
- سأظل أغازلك حتى نصبح عجوزين هرمين .. فأحكي لأحفادنا عن جمال جدتهن و روعتها ..
فردت بدلال ..
- أرجو ذلك .. كثرة كلامك الحلو صارت تخيفني ..
- تخيفك .. عجيب أمركن يا فتيات .. تتذمرن إن لم تُغازلن و تخفن من الغزل ..
- طبعا أخاف .. أن لا أكون الوحيدة التي تغازلها ..
ضحك علاء بمرح ..
- لا تخافي فلساني لا يصبح فصيحا إلا مع حبيبة قلبي ومهجة فؤادي نورا ..
- حسنا سأصدقك ..
- صدقيني .. فأنا لا أجيد الكذب .. خصوصا على ملاكي ..
- دعنا من كلامك الذي سيجنني وأخبرني هل من جديد ..
- نعم هناك جديد .. لكني الآن على موعد مع أبو حسام .. وحالما أعود سأخبرك بكل ما جرى .. فقط إدعيلي أن ينزاح عني هذا الهم .. ونتحرر من كل هذا ..
- سأدعو الله أن يفرج عنا ويكتب ما فيه الخير لنا جميعا ..
- حسنا إنتظريني سأهاتفك
- سأنتظرك في حفظ الله
- سأشتاق إليكِ .. مع السلامة ..
ودع والدته وطلب دعواتها ثم اتجه لبيت حسام ..



بدا البيت خال من الجميع .. استقبلته الخادمة وأخبرته أن أبا حسام ينتظره في غرفته ..
فاستأذن بطرقات خفيفة .. حتى أتاه صوت الرجل الطيب :
- أدخل ..
- السلام عليكم ورحمة الله .. كيف حالك سيدي ..
- الحمد لله بني .. بخير .. وكيف حالك أنت ؟؟
- في خير حال .. الحمد لله ..
- كيف هي أحوال الشركة .. ؟؟
- كل شيء على ما يرام .. لقد جهزنا كل ما يلزم لإستقبال الوفود الأروبية هذا الأسبوع .. بقي بعض التوقيعات .. سأمر عليك صباح الغد لتوقعها ..
- حسنا .. أرى أنك لم تسافر منذ وقت ..
- أوكلت السفر للسيد عادل .. فكما تعلم لم تكن الظروف مواتية طيلة الأيام الماضية .. كما أني أفضل أن أباشر الأعمال بنفسي في غيابك .. أعادك الله لعملك قريبا غير آجل إن شاء الله ..
- أحسنت بني بارك الله فيك .. قد كنت نعم الرجل في وقت المحنة .. ولا يستطيع أحد أن يوفيك حقك .. إلا رب العالمين جزاك الله عنا كل الخير وبارك فيك ..
أحس علاء أن أبا حسام لازال لم يعلم بما حدث بينه وبين ياسمين .. لكنه أردف ليفهم العكس ..:
بني .. في وقت محنتي خفت كثيرا على بيتي و أولادي .. وأكثر ما أقلقني ابنتي ياسمين .. خِفت أن تقع بين أيدي من لا يرحمها فينهب مالها أو يطمع فيها .. ولم أجد سواك أمامي حينها .. خاصة لما لمسته فيك من رجولة وإخلاص وشهامة ..
- ذلك من كرمك يا سيدي ..
- لا بني أنا رجل مسن ولي نظرة في الناس لا تخيب .. وما رأيته فيك كان صحيحا ..
حينها وضعت ياسمين بين يديك .. وحملتك أمانة المحافظة عليها وحتى أكون مطمئنا عليها أمرتك أن تتزوجها دون أن أعرف إن كانت تريدك .. أو كنت تريدها .. ربما كنت أنانيا بعض الشيء ولم أفكر في مشاعركما اتجاه بعضيكما .. وأنت أدرى بني .. فلم يكن الوقت يسعفني لأتروى وأبحث في الأمر .. فقد كنت بين الحياة والموت ..
بني لا أدري ما أقول .. ولا من أين أبدأ .. أنا في موقف لا يعلم صعوبته إلا الله .. إنها ياسمين .. لقد أحرجتني أيما إحراج .. حاولت معها بني لكنها كانت مصممة على رأيها .. إنها تقول أنكما لم تتفاهما و لم تتوافقا .. وهي تريد الطلاق ..
فغر علاء فاه .. لا يدري أيبتسم أم يعبس .. لكنه أطرق رأسه أرضا .. حتى يتجنب نظرات أبي حسام الذي كان يدور بعينيه في ملامح علاء بحثا عن أي شيء يجيبه ..
- ماذا قلت بني .. هل يؤلمك الأمر .. سامحني يا ولدي .. ما كنت أظن أني سأمر بموقف كهذا لكنها إرادة الله ..
- لا بأس يا سيدي إن كانت ترى أن ننفصل فليكن ..
- أعلم بني أن رجولتك لن تسمح لك بالزواج بفتاة لا تحبك .. لكن ليس بأيدينا شيء .. يبدو أني أخطأت التخمين ولأول مرة في حياتي .. كنت أعتقد أنها معجبة بك .. بني أرجوك لا أريد لهذا الأمر أن يِؤثر على علاقتي بك .. تعلم كم أحبك وأحترمك .. وأن تبقى إلى جنبي أكثر ما يهمني ..
- لا عليك سيدي .. لا تقلق .. سأكون إلى جانبك .. فالزواج قسمة ونصيب .. ومهما كان فأنا ابنك وتحت أمرك .. ويهمني أن تبقى راضيا عني ..
- ما خاب ظني بك أبدا يا بني .. نعم الرجل أنت .. وتأكد أن ابنتي من خسرت الكثير ..
أخذهما الحديث يمينا وشمالا .. واتفقا على مباشرة مراسيم الطلاق في اليوم التالي .. وخرج علاء من عند أبي حسام منقبض الصدر .. لقد قررت هي أن تحرره من زواجه منها بعد أن عرفت قصته مع نورا .. حقا إنها فتاة رائعة ..
إنتاب علاء بعض الضيق وهو يفكر في ما سببه لياسمين من ألم .. وكيف أنها لم تقبل على نفسها رجلا ليس لها .. حاول الإتصال بها لكنه أدرك أن أفكاره الآن غير مرتبة .. وأجل ذلك لوقت آخر .. فلابد له أن يعتذر منها .. ويتأسف لما سببه لها .. ولو أن أسفه ذاك لن يداوي جراحها ..

كانت نورا تنتظر على أحر من الجمر مكالمة علاء .. وكانت قد بدأت تقلق حين رن الهاتف في يدها .. :
- نعم .. علاء ..
- نورا .. هل كان الهاتف بيدك .. لقد أجبت قبل أن يرن ..
ضحكت نورا بثوتر :
- لقد كنت أنتظرك .. أخبرني ماذا حدث ..
- الحمد لله لقد انتهى الأمر ..
- كيف ... هل أخبرت أبا حسام ..
- لا لم أفعل لقد أخبرته ياسمين ..
- ومتى أخبرت ياسمين ..
- لست أنا من أخبرها .. إنها أمي .. صارحتها بكل شيء .. نورا سأمر عليك لنتمشى قليلا وحينها سأقص عليك القصة كاملة .. إستعدي ..
- حسنا سأكون جاهزة بعد دقائق ..


كانت أسارير علاء عابسة قليلا وهو يحكي عما حصل .. لقد ازداد إعجابه بياسمين بسبب موقفها الأخير .. وهو آسف لما سببه لها من ألم .. لكنه سرعان ما ابتسم في وجه نورا وهو يردد بفرح :
- لكني أحمد الله أن الأمر سينتهي .. وسنفرح بحياتنا معا دون عوائق .. هل أنتِ سعيدة ..
- سعيدة لأنني قربك .. لكنني أيضا أتألم لألم ياسمين لو لم أظهر في حياتك ما كنت ستطلقها ..
- هراء لقد كنتِ معي قبل أن أراك .. وما وقع كان خارجا عن إرادتنا معا ..
- المسكينة الله أعلم كم تتعذب الآن ..
- حيبتي أنا أيضا آسف لأجلها .. لكن لا حيلة لي في ذلك .. وكنت سأظلمها لو أتممت معها الزواج .. ثم إنها أتخذت قرارها عندما علمت بأمرنا .. هي أيضا لم تكن لتقبل ظروفي ..على العموم لننسى الأمر الآن أريد أن أتمتع بعينيك وابتسامتك .. أريد أن أتأكد أني حقا مع زوجتي وحبيبتي ..
أوقف سيارته عند الشاطئ وترجلا منها ليمسك يدها ويتجهان نحو الأمواج التي كانت تداعب الرمال برقة وحنو تماما كما هي أحلامهما الآن وهي ترتسم أمامهما ..

أما ياسمين .. فقد أوهنها الحزن حتى بدت كالشبح .. كل من يحيطون بها يتساؤلون عن موقفها العجيب .. خاصة وأن مشاعرها نحو علاء كانت واضحة وضوح الشمس .. حاول والدها كثيرا معها لكن دون فائدة .. لكنها في أعماقها رغم حزنها الشديد كانت متأكدة من صواب قرارها فهي لن تقبل بنصف رجل .. وعلاء كان نصفه الآخر مع حبيبته نورا .. ثم أنها بقرارها هذا تكون قد ردت بعض الجميل للرجل الذي وقف بجانبهم أيام المحنة .. ورضخ لطلب والدها رغم أنه لم يكن يريد ذلك .. والآن سيسترد حريته .. ويقترن بمن يحب ..
كان الموسم الدراسي الجديد على الأبواب .. أخبرت والدها برغبتها في إتمام دراستها العليا .. وأنها تطمح لأن تحصل على الدكتوراه .. ربما قد يجعلها انهماكها في تحقيق طموحها تطوي هذه الصفحة إلى الأبد .. وتبدأ من جديد ..
أما علاء ونورا فقد وجدا عش الزوحية أخيرا .. كان بيتا صغيرا من طابقين ... الطابق الأول مكون من غرف نوم عدة وحمام .. والطابق التاني وهو الأرضي مكون من مطبخ وحمام و بهو واسع للجلوس وقاعة كبيرة للضيوف .. كان اللون الأبيض الذي يكسو الجدران يجعله جميلا حالما .. أخذت نورا تتكلم عما سيحتاجانه من أثاث لكنها توقفت فجأة وهي تخبره أنها ستستشير أمه في ذلك .. فمادام هذا البيت سيجمعهم جميعا فلابد أن يساهم الكل في ترتيبه .. ابتسم علاء لفكرتها وحمد الله أن وهبه كنزا ثمينا ودرة رائعة الجمال وعالية الخلق ..




كان يوما جميلا تزينت العمارة بأبهى الألوان وأزهاها .. باقات الورد تكسو السلم من الطابق الأرضي إلى أعلى العمارة .. اليوم ستتم خطوبة محمد على سناء لقد وافقت أخيرا .. و اليوم ستقترن بشقيق نورا .. اتفق العائلتان على أن تتم الخطبة وعقد القران ويتأجل العرس إلى ما بعد تخرج محمد من كليته .. كما أن علاء وعده أن يتدبر له وظيفة ممتازة في اختصاصه بعد التخرج .. فلا ننسى أن علاء بحكم مهنته أصبح له زبناء كثيرون وأصدقاء أكثر يخدمونه بأعينهم ..
أما نورا وعلاء فقد اتفق الجميع على أن يتم العرس في العطلة الربيعية للعام الجديد .. حتى تنتهي تجهيزات البيت السعيد .. وحتى يشفى أبو حسام تماما .. فمهما كان لازال علاء يضع مشاعر الأسرة الطيبة فوق كل اعتبار ...
كانت ليلة رائعة .. فرح الجميع بالعروسين .. وبدت سناء جذابة في زينتها البسيطة .. لقد طلب منها محمد أن ترتدي الحجاب منذ أول يوم خطبتهما ... كان لبقا حكيما .. وهو يخبرها أنه يغار من أن يرى حسنها غيره .. لبت سناء بسعادة و أدركت أن الله قد عوضها خيرا ..
بينما الجميع يحتفلون بالعروسين كان علاء يضم يدي نورا بين كفيه ويهمس لها بكلمات تجعلها تطرق خجلا بين الحين والآخر .. يبدو أنهما دوما وحيدين حتى لو كانا وسط ألفٍ من البشر .. ولاشيء في هذا العالم أبدا يُشغلهما عن بعضهما ..


إنطلق الموسم الدراسي الجديد وعلى نورا أن تباشر عملها هناك في القرية .. صمم علاء على أن يوصلها لمقر عملها بنفسه .. حتى يتعرف على جانب آخر من حياة نورا ..
كانت الطريق تخترق بساطا لا متناهيا من أرض تم حصادها قبل أسابيع قليلة .. طول الطريق أخذت نورا تحكي دون توقف عن الحياة في الريف وكيف أنها أحبت العيش بين أناسها الطيبين ... وكيف أنهم كانوا يحاصرونها بالسؤال عن زواجها و أنها لم تتزوج لغاية اليوم .. الآن سيرونها مع علاء وطبعا سيعلمون أنها أخيرا وجدت نصفها الآخر ...
وصلوا إلى أبواب القر ية عند غروب الشمس .. رآها أحد الصبية فركض إليها لتأخذه في حضنها بحنان .. قبلها وهو يخبرها أنه اشتاق إليها وإلى المدرسة .. ثم ركض باتجاه القرية وهو يخبرها أنه سيبشر أهله وباقي الصبية بقدومها .. حاولت ثنيه عن ذلك لكنه كان قد ابتعد عنها بسرعة .. نظرت لعلاء مبتسمة ..
- سينشر الخبر هذا الشقي ..
كان علاء يبتسم بإعجاب وهو يرى هذا المشهد الحميمي بين حبيبته والصبي الصغير .. لا بد أنهم يحبونها جدا .. همس لنفسه .. ومن لا يذوب حبا في هذا الوجه الملائكي الحنون .. اقترب من نورا التي بدأت تصف له معالم القرية واتجاهاتها .. ثم اقترحت عليه أن يدخلا المدرسة .. وافق مذعنا ثم أخذت تطرق الباب الحديدي الكبير بشدة .. حتى يسمعها الحارس العجوز أبو محمد .. بعد لحظات فتح العجوز متذمرا لكنه سرعان ما انفرجت أساريره وهو يرى نورا .. رحب بها بحفاوة وحب وهو ينظر بفضول لعلاء .. أدركت نورا أنه يسأل عنه بشكل غير مباشر ثم قدمته له قائلة بخجل :
- هذا زوجي يا عمي أبو محمد ..
- زوجك .. يا مرحبا مبارك يا ابنتي مبارك .. تمم الله لكما بخير وأسعدكما طول العمر تفضلا .. سأخبر أم محمد بقدومكما حتى تجهز العشاء ..
- لا يا عم لا تزعجها نريد فقط أن نزور المدرسة ونتجول فيها قليلا وسأذهب بعدها إلى القرية ..
- لا لن تذهبا حتى نقوم بواجب الضيافة ونفرح بكما إنك عزيزة غالية على قلوبنا ومهما عملنا قليل في حقك تجولا على راحتكما وسأنتظرك عند كوخي حتى تشرفاني هناك ..
- بارك الله فيك يا عم .. لا تتعب أم محمد يكفي أن نشرب كوب شاي من يديها ..
- حسنا ياابنتي المهم أن لا تغادروا ..
عاد العم أبو محمد أدراجه بينما أمسكت نورا بيد علاء وهي تجره فرحة .. كانت تتحدث بحماسة وهي تصف كل ركن من أركان هذا المؤسسة الصغيرة .. كانت مدرسة صغيرة مكونة من حجرات لا تتعدى أصابع اليد الواحدة ... رغم قدمها إلا أنها كانت نظيفة ومرتبة .. فنورا كانت دائما تنظم حملات صغيرة لتبدو مدرسة القرية أجمل .. كان لها اليد في كل جميل هنا ..
تأمل علاء بانتباه أركان الحجرة البسيطة .. بينما انطلقت هي تفتح أدراج مكتبها .. هنا تقوم بعملها الذي تحبه وتتفانى فيه لآخر رمق .. هنا تعلم الأطفال الصغار حروف الهجاء .. وترسم معهم على أوراق تجلبها معها من المدينة .. حتى الأقلام الملونة كانت تهديها لهم عند بداية السنة الدراسية .. بينما هما يتجولان سمع جلبة عند الباب .. لقد عاد الصبي ومعه كل سكان أهل القرية .. استغرب علاء وهو يرى الحشد الكبير من النساء والأطفال الذين جائوا ليرحبوا بنورا ..
أخذنها في أحضانهن واستقبلتهن هي بابتسامة رائعة وقلب أروع .. تأمل علاء المنظر بدهشة .. حتى أنه تسائل إن كانت حقا مدرسة .. هذا الإستقبال الحافل لا يليق إلا بعمدة القرية .. انطلقت الزغردات والتهاني عندما أخبرتهن أن الواقف هناك زوجها .. وتقدمن ليسلمن على علاء ويباركن له .. ويغبطنه على فوزه بأحلى البنات .. أخذن يتسابقن في مدحها والثناء على روحها الجميلة وكيف أنهن جميعا في القرية يحببنها كثيرا ..

description(حيرة قلب ) بقلمي Emptyرد: (حيرة قلب ) بقلمي

more_horiz
الجزء الرابع عشر



أمضى علاء أمسية رائعة بين أهل البلدة الصغيرة .. ورأى من محبتهم لنورا ما أدهشه .. ثم ودعهم جميعا وهو يوصيهم خيرا بحبيته وزوجته نورا .. حقا حبهم لها وإحاطتهم بها جعلته يعود أدراجه مطمئنا عليها .. لكنه كان حزينا نوعا ما لكونه لن يراها إلا بعد أسبوع كامل ..

تجهيز البيت الجديد قد انتهى وسيتركون هو ووالدته شقتهم في العمارة القديمة .. لقد اتفق مع أمه أن يتم ذلك قبل انتهاء الأسبوع حتى تكون مفاجأة سارة لنورا ...
رص العاملون الأمتعة بعناية .. بينما ودعت أم علاء أهل العمارة بدموع حارة .. ثم استقلت سيارة علاء في اتجاه بيتهم الجديد ..
كان سعيدا وهو يتجول بغرف البيت الجديد .. يبدو كل شيء جميل ولامع .. كما أن قطع الأثاث كانت فاخرة و أنيقة ..
ابتسمت أم علاء في وجه ابنها وهي ترى ابتسامته الجذابة تكسو ملامحه ..
- ربنا يتمم عليك بكل خير ياابني ويرزقك ما تتمنى قادر كريم ..
- كله ببركة دعائك يا أمي .. الحق أنت ونورا أحسنتن الإختيار ..
- هو ذوق زوجتك يا بني ..
- لم ألم تختاري معها .؟؟
- بلى يا بني أن تعلم ذوق الشباب يختلف عن ذوق العجائز مثلي .. ثم اني اكتفيت باختيار أثاث غرفتي ..
ضحكت أم علاء بسرور وهي تربث على كتفي إبنها ..
- بني .. أنا أفرح بكل ما يفرحكما وأسعد بكل ما يسعدكما .. وهذا ما قلته لنورا وأقنعتها أن تختار بحرية تامة فكل ما ستختاره أنا راضية به ..
انحنى علاء يقبل يدي والدته :
- بارك الله بك يا أمي وحفظك من كل شر ..
-وبارك فيك الله يا ولدي .. هل اتصلت بياسمين ؟؟
- لا يا أمي لم أتصل بعد .. لازلت حائرا أشعر بالذنب ناحيتها ولا أدري ما سأقوله لها ..
- بني عليك على الأقل أن تطيب خاطرها .. وتشكرها على موقفها النبيل اتجاهك ..
- سأفعل أمي .. بعد انتهاء معاملات الطلاق ..
- لا بني قبل ذلك .. الله أعلم بحالها الآن ..
- أمي هل لابد من دعوة أبي حسام للعرس ..
- والله يا بني لا أدري كيف سنفعل .. فأنا لم أخبرها أنك قد تزوجت نورا .. لكنها تعلم أنك ما دمت تحبها فستتزوجها .. المشكلة في والديها ..
- والديها يعلمان أن ابنتهم من تخلت عني أي أنه لا ضير في دعوتهم ..
- على العموم لنترك ذلك لوقته .. المهم الآن أن تتصل بها .. وتحاول مواساتها وشكرها ..
- حسنا أمي ..

تأملت ياسمين أوراق شجرة الكلبتوس الكبيرة وهي تتساقط باستسلام .. وتاهت أفكارها نحو قلبها الذي تنازل عن حلمه بنفس الإستسلام .. كان هناك أمل لو أنه كان خالي القلب .. ولا يحب أخرى .. لكن قصته مع تلك التي تسمى نورا وضعت النهاية أمامها ولم يعد لها خيار .. مالت برأسها الصغير نحو هاتفها المحمول الملقى على السرير بإهمال .. من سيتصل بي الآن .. جحظت عيناها وهي ترى إسمه يتراقص على شاشته .. علاء .. لازال رقمه بين ارقام هاتفها .. لكن ما الذي يدعوه لمهاتفتها .. ألم ينتهي ما بينهما ..
ضغطت الزر بأصابع مرتبكة .. وهمست بصوت يكاد يختنق :
- ألو ..
- نعم أنا علاء .. السلام عليكم ورحمة الله ..
- وعليكم السلام ورحمة الله .. عرفتك .. كيف حالك ..
- الحمد لله كيف حالك أنت .. أرجو أن تكوني بخير ..
- أنا بخير والحمد لله .. ماذا هناك ..
- ياسمين أعرف أنك لا تطيقين سماع صوتي .. لكن صديقيني لا يد لي في كل ما جرى ..
- أعرف كل شيء .. ولست ألومك على شيء .. بل أنا ممتنة لك على موقفك الشهم معنا ..
- ياسمين .. هل تمانعين أن نلتقي لساعة واحدة فقط ..
- ولماذا .. لم يعد هناك ما يقال ..
- ياسمين .. الله أعلم أني أعتبرك أختا لي .. وما جرى ماكان سيحدث لولا الحادث المشؤوم .. كما أني أعتبر عائلتك عائلتي التي لها أفضال كثيرة علي .. أريد أن نبقى كما كنا وأن لا يكون ما جرى سببا لنفترق عن بعضنا ..
- لا تقلق .. سأتعود على الأمر أحتاج فقط بعض الوقت .. كما أني فعلت ما فعلت حتى لا يأخذ منك والداي أي موقف .. بالعكس هما من يخشيان أن تتغير أو تغضب ..
- ياسمين .. سأنتظرك عند أول الشارع لتكن نزهة أخ يحب أخته كثيرا ويود أن ترضى عنه ..
- حسنا .. سأخرج بعد ساعة من الآن ..

في السيارة كان علاء ينتظر بقلق .. يحاول أن يرتب أفكاره .. فالحديث مع ياسمين أمر صعب جدا .. انتبه لطرقاتها على زجاج النافذة .. ففتح لها الباب مرحبا .. ثم انطلقا لمقهى صغير وسط المدينة .. كانت شاحبة نوعا ما .. وقد أحاطت بعينيها هالتين من سواد خفيف .. هي تمر بلحظات صعبة همس علاء لنفسه .. ثم بدأ الحديث وعينيه تنظر للطاولة بحياء ..
- ياسمين .. آسف على كل ما جرى ..
- قلت لك لا تأسف على شيء .. كان علي أن لا أترك عواطفي على هواها .. وأن أحترس قبل أن أحبك ..لكن صدقني يا علاء .. صعب على أي فتاة أن تقترب منك دون أن تحبك بجنون ..
أطرق علاء خجلا .. لازالت تحتفظ بجرأتها التي تجعله يخجل كفتاة صغيرة ..
- علاء .. ما فعلته فعلته حتى أبعد عنك أي ظن سوء .. وحتى نبقى دائما عائلة واحدة
فأبي يحبك بشدة وحتى لو علم الحقيقة كان ليحترمك أكثر .. كما أحترمتك أنا .. وقدرت موقفك .. إسمع ستعرفني قريبا على خطيبتك .. وسنحضر لعرسك جميعا تماما كأسرة واحدة .. لا أريد لأي شيء أن يغير علاقتنا ببعض .. أنا أيضا سأتزوج قريبا ..
- لا .. لا تتسرعي .. على من يتقدم لك أن يستحق الفوز بدرة مثلك ..
ضحكت ياسمين :
- إذن أترك لك مهمة اختيار عريس لائق لي ..
- إعتمدي علي وإن لم يكن أهلا بأجمل وأرق فتاة فلن أوافق عليه أبدا .. أنا أخوك الكبير و عليك أن تنفذي أوامري ..
- أمرك يا أخي .. كان علينا أن نتطلق حتى أسمع منك مثل هذا الكلام الجميل ..
- أعذريني .. لا أجيد التلاعب .. وإن كنت فعلت قبل اليوم فهذا يعني أني كنت أريد التلاعب بك ..
- أدركت ذلك وكنت أستغرب رسميتك المفرطة معي .. وهذا سبب آخر لأحترمك أكثر ..
- دعيني أقول لك شيئا مهما .. أنا كنت أحب نورا قبل أن أراك .. قصتنا طويلة كنت أحبها منذ أن عرفت معنى وجودي .. كبر إحساسي بها معي .. ولولا ذالك ما كنت فرطت فيك أبدا ..
- لا عليك .. إنه القدر ونحن مؤمنون بالقدر خيره وشره .. لكنها محظوظة لأنك تحبها ..
- سيعوضك الله بأحسن مني .. أنت لا زلت صغيرة .. وقلبك لازال طريا .. متأكد أنك ستجدين فارسا هماما يستحق أميرة أسطورية ..
- حسنا إنتهت الساعة وعلي العودة إلى البيت يا أخي الكبير .. حتى لا يقلق والداي على الأميرة الأسطورية ..
- حسنا سأوصلك .. وسأدعوكم لزيارتنا غدا في بيتنا الجديد لقد انتقلنا اليوم وأول عزومة فيه ستكون لعائلتي الرائعة ..
لم يكن الحديث مع ياسمين صعبا كما توقع ..
كانت أنضج وأعقل مما توقع .. عاد للبيت مرتاحا نوعا ما فالطريق نحو مستقبل سعيد بدأت تتضح معالمه ..



اتصل علاء .. بنورا بعد لقائه بياسمين وأخبرها ما دار بينهما من حديث .. فرحت لذلك كثيرا .. فهي أيضا تريد أن تنتهي كل الأزمات ليبدآ حياتهما دون شوائب ..
بشر علاء والدته أيضا .. و أخبرها أن عائلة أبي حسام ستزورهم في اليوم التالي وستكون بمثابة جلسة حميمية لتهدئة النفوس ..
استبشرت أم علاء لخبر وقالت :
- أرأيت بني ليست الأمور معقدة كما تصورنا ..
- نعم أمي .. ياسمين فتاة عاقلة .. إنها تطلب أن تتعرف على نورا ..
- لابد أنها ستتعرف عليها .. المسكينة إنها تحمل نفسها أكثر من طاقتها ..
- ولم .. ؟؟
- لا تتغابى يا علاء .. هل تظن أنه من السهل عليها أن ترى حبيبتك ومن فضلتها عليها ..
- لكن ليس بيدي شيء ..
- أعلم يا بني .. لكن هي أحبتك قبل أن يحصل ما حصل .. على العموم .. الله وحده من سيزيح عنها ..
- ماذا تقصدين يا أمي .. هل أمنعهما من أن تلتقيان ..
- لا بني لكن دع الأمور تمشي كما يريد الله .. أنا فقط أتخيل موقفها ..
- المهم لم يعد الآن من سبب لنؤجل العرس حتى الربيع القادم .. سأتفق مع نورا على أن نقيمه في أقرب وقت ..
- تبدو مستعجلا ...
- وكيف لا يا أمي .. لقد أجلت الموعد حتى لا يكون مباشرة بعد طلاقي من ياسمين احتراما لمشاعرها ومادامت قد تفهمت موقفي فلا داعي للتأخير ..
- ووالديها .. ألم تفكر في كيفية استقبالهما للخبر ..
- يااااه يا أمي هل سأظل .. أراعي لهذا وذاك .. متى أرتاح من كل هذا ..
- بني .. ذاك فقط من حسن خلقك .. وطيبة قلبك .. وإلا ما كنت تعرضت لكل ما تعرضت له .. لا تستعجل واصبر حتى تتم مراسيم الطلاق .. كما أن نورا ليست مستعدة الآن ..
- لا أدري ما أقول ...دائما تقنيعينني يا أغلى أم .. سأصبر والله مع الصابرين ..
- الله يرضى عنك يا ولدي ..
- مدام الأمر هكذا .. سأسافر أنا بدلا عن عادل في المهمة القادمة .. فقد شغلتني الهموم عن حلمي الذي كافحت من أجله طويلا ..
- ماذا وتتركني هنا وحدي ...؟؟ لقد ابتعدت عمن كانت تملأ علي البيت وتؤنسني ..
- لا عليك أماه سأطلب من محمد أن يأتي بها إليك وستبقى معك حتى أعود ..
- شكرا لك يا ولدي .. فلازلت لم أتعود على المكان ..
- أما الآن ففكري ماذا ستحضري من ملذات لضيوف الغد ..؟؟
ضحكت أم علاء .. لا تهتم فبقدر ما تكون كريما تكون المائدة فخمة ..
- هاه .. يعني أن أضع محفظتي هنا وأرحل ..
- طبعا ... إنت كريم وهم يستحقون ...





كانت أم علاء منهمكة في تزيين كعكة جميلة عندما رن جرس الباب .. فمسحت يديها ي عجل وذهبت لفتح الباب ..
كانت العائلة الطيبة تتأمل باب البيت الصغير .. بدا الكل فرحان بمنظره من الخارج ..
استقبلتهم أم علاء بترحاب حار .. وأخذت ياسمين في حضن طويل .. ثم دعتهم جميعا للدخول ..كان أبو حسام لازال حبيس كرسيه المتحرك .. رغم أنه في تحسن ويستطيع الوقوف قليلا مع بعض الألم .. لكنه سيمشي قريبا على قدميه كما نبأه دكتوره الخاص..
لم يكن علاء قد وصل بعد من عمله .. لذلك جلسوا يتحادثون لحين قدومه ..
أعتذرت أم علاء ودخلت المطبخ لتنهي كعكتها اللذيذة ... أثناء ذلك عاد علاء من عمله .. فدخل مبتهجا برؤيتهم فرحا بقدومهم ..
مرت العزيمة كأروع ما يكون .. لم يبدو على ياسمين أي حزن أو قنوط بالعكس كانت تمازح علاء كما حسام تماما .. وبدو كعائلة واحدة تجمعهم الألفة والمحبة ...
بعد الغذاء جلسوا في البهو يأكلون الكعكة الرائعة وهم يمدحون في أم علاء ويثنون على مهارتها ..
فاستغل علاء الوضع ووجه حديثه لأبي حسام ..
- سيدي تعلم أني أتخذتك أباً لي .. وأرى أني لن أمشي خطوة واحدة دون أن أستشيرك أو حتى أخبرك ..
- نعم بني .. نعم الولد أنت ..
- لقد .. بعد إذنكم .. لقد صممت أمي أن لا أبقى عازبا .. وأني إذا كنت سأتفرغ لأسفاري .. فعلي أن آتي بمن تؤنس وحدتها ..
- من حقك يا بني .. مادام النصيب لم يكتب لكما أنت وياسمين .. فعليك أن تتزوج وتستقر .. سنفرح لك بني وسنساعدك بكل ما نستطيع ..
- كل ما أريده أن تعتبروني وزوجتي أحد أفراد عائلتكم التي أتشرف بالإنتماء لها ..
- يا بني نحن من لنا الشرف بانتمائك لنا .. وتأكد أننا سنكون عائلة واحدة ..
تبادل الجميع نظرات الرضا .. وبدا علاء كأسعد ما يكون ذاك اليوم .. بهذا تكون كل العقبات قد انزاحت ..
بدأت التجهيزات على قدم وساق للعرس .. وبدأ علاء الإجرآت لنقل نورا للمدينة التي يعمل بها .. فهو لن يقبل أن تغيب عنه وعن بيتها طيلة الأسبوع .. اقترح عليها أن تترك العمل وتتفرغ له .. لكنها رجته أن لا يحرمها من عمل تجد فيه كل راحتها وتؤديه بكل رغبة وحب ..
مرت الأيام وجاء الموعد المحدد لزفافهما السعيد ..
بدا العريس جذابا في بدلته السوداء يقف على جانبيه حسام وأبيه .. وتلحقهم ياسمين وأمها ووالدة علاء وأم سناء يزغردن بسرور ... تقدموا نحو بوابة البيت المتواضع .. استعدادا للدخول حيث تجلس العروس .. وسط زغردات و صلاة على النبي العدنان .. وقفوا وسط الردهة ليروا ذات الرداء الأسود وسط بياض مشع بدت كحورية من الجنة .. هتفت والدة ياسمين بدهشة وقد كانت ترى نورا لأول مرة كما ياسمين .. سبحان الخلاق .. ثم اقتربت ياسمين من علاء لتهمس له بإعجاب .. الآن أقتنعت أني لست أنا من تستحق ..
مع قرع الدفوف وزغردات الحاضرات وأناشيد كانت تتغنى بها فرقة نسائية .. جلس علاء إلى جانب عروسه .. ولم يملك نفسه من الهمس لها .. انها أروع من أي وقت مضى ..

تمت بحمد الله

privacy_tip صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
power_settings_newقم بتسجيل الدخول للرد