حققت الرواية ـــ منذ ظهورها عام 1605 ـــ نجاحا منقطع النظير في معظم أنحاء
العالم، حيث طبعت 500 مرة بالإسبانية و200 مرة بالإنجليزية وما يعادلها في
الفرنسية، وترجمت إلى العربية ومعظم لغات الأرض.
وهي تروي حكاية رجل ناهز الخمسين، بورجوازي متوسط الحال عاش في إحدى
قرى إسبانيا إبان القرن السادس عشر، كانيقضي معظم أوقاته في الانكباب على
قراءة كتب الفروسية بلذة ونهم بلغ حدا جعله ينسى الخروج للصيد أو الزواج أو
تحصيل لقمة عيشه بشكل ما، وقد أدى انفصاله عن الحياة الواقعية لجنوحه
المتهور إلى أن يصبح فارسا جوالا يمارس ما يمارسه الفرسان الجوالون حين
يسيحون في الأرض متعرضين للأخطار لنصرة الضعفاء، فاستخرج سلاحا قديما
متآكلا من ركن خفى في منزله وأضفى على نفسه درعا، وحمل رمحا وسيفا خشبيا
وركب حصانا هزيلا، ولاستكمال عدته أخذ صحن حلاقة من أحد الباعة المتجولين
وعده كخوذة، ثم تذكر أثناء سيره مزهوا بأن الفارس الجوال لا بد له من تابع
مخلص أمين، فعمد إلى فلاح ساذج من أبناء بلدته وهو «سانشو بانزا» وفاوضه
على أن يكون تابعا له مقابل أن يجعله حاكما على إحدى الجزر حين تنتصر فتوحاته، فصدقه وسار خلف سيده الجديد.
كانت أولى معاركهما ضد طواحين الهواء التي لم يكن دون كيشوت قد شاهد مثلها
من قبل، فتوهم أنها شياطين ذات أذرع هائلة واعتقد أنها مصدر الشر في الدنيا،
فهاجمها ورشق فيها رمحه فرفعته أذرعها في الفضاء ودارت به ثم رمته أرضا،
تلتها معركة قطيع الأغنام الذي تخيله جيشا زاحفا فانجلت المعركة عن قتل عدد من
الأغنام وسقوط دون كيشوت نفسه تحت وابل من أحجار الرعاة فاقدا بعض
أضراسه، وتتوالى هزائمه التي يرجعها في كل مرة إلى خصومه من السحرة الذين
خططوا لحرمانه من الفوز بأن مسخوا بسحرهم العمالقة الشياطين إلى طواحين
هواء، والفرسان المحاربين إلى أغنام، وفي النهاية عاد محبطا إلى منزله مقررا
التخلص من جميع كتبه في الفروسية.
هل بالغ دون كيشوت في أهدافه؟ هل هي مشكلة ترجمة الأفكار المثالية إلى الواقع
المتشابك الألوان؟
هل لامست حكايته شيئا بداخلك؟
أنا شخصيا شعرت بالتعاطف مع تابعه المسكين سانشو أكثر من اهتمامي بدون
كيشوت، لأنه يذكرني بمشكلة ملايين التابعين الحاليين الذين يمشون وراء مئات
الدونكيشوتيين الذين يخوضون عديدا من المعارك مع طواحين الهواء ويعدون
أتباعهم بأحلام وردية لن تحدث يوما
العالم، حيث طبعت 500 مرة بالإسبانية و200 مرة بالإنجليزية وما يعادلها في
الفرنسية، وترجمت إلى العربية ومعظم لغات الأرض.
وهي تروي حكاية رجل ناهز الخمسين، بورجوازي متوسط الحال عاش في إحدى
قرى إسبانيا إبان القرن السادس عشر، كانيقضي معظم أوقاته في الانكباب على
قراءة كتب الفروسية بلذة ونهم بلغ حدا جعله ينسى الخروج للصيد أو الزواج أو
تحصيل لقمة عيشه بشكل ما، وقد أدى انفصاله عن الحياة الواقعية لجنوحه
المتهور إلى أن يصبح فارسا جوالا يمارس ما يمارسه الفرسان الجوالون حين
يسيحون في الأرض متعرضين للأخطار لنصرة الضعفاء، فاستخرج سلاحا قديما
متآكلا من ركن خفى في منزله وأضفى على نفسه درعا، وحمل رمحا وسيفا خشبيا
وركب حصانا هزيلا، ولاستكمال عدته أخذ صحن حلاقة من أحد الباعة المتجولين
وعده كخوذة، ثم تذكر أثناء سيره مزهوا بأن الفارس الجوال لا بد له من تابع
مخلص أمين، فعمد إلى فلاح ساذج من أبناء بلدته وهو «سانشو بانزا» وفاوضه
على أن يكون تابعا له مقابل أن يجعله حاكما على إحدى الجزر حين تنتصر فتوحاته، فصدقه وسار خلف سيده الجديد.
كانت أولى معاركهما ضد طواحين الهواء التي لم يكن دون كيشوت قد شاهد مثلها
من قبل، فتوهم أنها شياطين ذات أذرع هائلة واعتقد أنها مصدر الشر في الدنيا،
فهاجمها ورشق فيها رمحه فرفعته أذرعها في الفضاء ودارت به ثم رمته أرضا،
تلتها معركة قطيع الأغنام الذي تخيله جيشا زاحفا فانجلت المعركة عن قتل عدد من
الأغنام وسقوط دون كيشوت نفسه تحت وابل من أحجار الرعاة فاقدا بعض
أضراسه، وتتوالى هزائمه التي يرجعها في كل مرة إلى خصومه من السحرة الذين
خططوا لحرمانه من الفوز بأن مسخوا بسحرهم العمالقة الشياطين إلى طواحين
هواء، والفرسان المحاربين إلى أغنام، وفي النهاية عاد محبطا إلى منزله مقررا
التخلص من جميع كتبه في الفروسية.
هل بالغ دون كيشوت في أهدافه؟ هل هي مشكلة ترجمة الأفكار المثالية إلى الواقع
المتشابك الألوان؟
هل لامست حكايته شيئا بداخلك؟
أنا شخصيا شعرت بالتعاطف مع تابعه المسكين سانشو أكثر من اهتمامي بدون
كيشوت، لأنه يذكرني بمشكلة ملايين التابعين الحاليين الذين يمشون وراء مئات
الدونكيشوتيين الذين يخوضون عديدا من المعارك مع طواحين الهواء ويعدون
أتباعهم بأحلام وردية لن تحدث يوما