هذه خمس سنن قولية وفعلية يستحب أداؤها عند نزول المطر وأثناء نزوله وبعده ، ثم يعقبها ذِكرُ بعض العبادات القلبية المتعلقة بذلك .. وحريٌ بكل محب للخير لنفسه أن يحرص عليها وأن يعلمها لمن حوله:
السُـنة الأولى : عند أول نزول المطر
أن تقول : "اللهم صيـباً نافعاً" ، فعن عائشة رضي الله عنها أن رسـول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى المطر قال: " اللهم صيـباً نافعاً " رواه البخاري . فلعل دعوة صادقة منك تدفع ضرراً عن المسلمين من ذلك المطر وتجلب لهم به خيراً ، هذا فضلاً عن أجر فعل هذه السنة . وورد أيضاً أن تقول : "رحمة " لحديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا رأى المطر "رحمة" رواه مسلم .
السُـنة الثانية : أثناء نزول المطر
أن تقف تحت المطر وتحسر عن شيء من ملابسك ليصيب المطر جسدك رجاء البركة ، لحديث أنس رضي الله تعالى عنه قال : " أصابنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مطر فحسر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوبه حتى أصابه من المطر ، فقلنا : يا رسول الله لم صنعت هذا ؟ قال : لأنه حديث عهد بربه تعالى " . رواه مسلم .
قال النووي : " قوله : معنى حسر كشف ، أي كشف بعض بدنه ، ومعنى حديث عهد بربه أي بتكوين ربه إياه ، ومعناه أن المطر رحمة وهي قريبة العهد بخلق الله تعالى لها فيتبرك بها" .
وعن ابن عباس رضي الله عنه أن السماء مطرت فقال لغلامه : " أخرج فراشي ورحلي يصيبه المطر . فقال أبو الجوزاء لابن عباس : لم تفعل هذا يرحمك الله ؟ قال : أما تقرأ كتاب الله (ونزلنا من السماء ماء مباركاً) فأحب أن تصيب البركة فراشي ورحلي " . أخرجه البيهقي
وعن سعيد بن المسيب أنه رأى ابن عباس في المسجد ومطرت السماء وهو في السقاية فخرج إلى رحبة المسجد ثم كشف عن ظهره للمطر حتى أصابه ثم رجع إلى مجلسه.
وكان علي رضي الله عنه إذا مطرت السماء خرج فإذا أصاب رأسه الماء مسح رأسه ووجهه وجسده ، وقال : "بركة نزلت من السماء لم تمسها يد ولا سقاء " ـ
وعن ابن أبي مليكة ، قال : كان ابن عباس يتمطر ، يقول : يا عكرمة ، أخرج الرحل ، أخرج كذا ، أخرج كذا ، حتَّى يصيبه المطر .
وعن نباتة قال : كان عثمان بن عفان يتمطر . قال ابن رجب : معنى التمطر : أن يقصد المستسقي أو غيره الوقوف في المطر يصيبه .
وقال أبو الأشعر: رأيت أبا حكيم إذا كانت أول مطر تجرد ، ويقول : إن علياً كان يفعله ، ويقول ، أنه حديث عهد بالعرش .
السُـنة الثالثة : أثناء نزول المطر
يستحب إذا سال الوادي أن يتوضأ منه ويغتسل .
قال النووي: " يستحب إذا سال الوادي أن يغتسل فيه ويتوضأ منه لما رُوي أنه جرى الوادي فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "اخرجوا بنا إلى هذا الذي سماه الله طهوراً حتى نتوضأ منه ونحمد الله عليه".
السُـنة الرابعة : أثناء نزول المطر
أن تدعو الله تعالى وتسأله من خيري الدنيا والآخرة فإن ذلك موضع إجابة لأنه يوافق نزول رحمة من رحمات الله عز وجل، ففي الحديث " ثنتان ما تردان : الدعاء عند النداء ، وتحت المطر" صحيح الجامع . كما أن الإلتجاء إلى الله عز وجل وسؤاله في أوقات الرخاء مؤذنٌ للعبد أن يُستجاب له وقت الشدة وهو أحوج ما يكون إلى الإجابة ، فقد ورد في الحديث " من سره أن يستجيب الله له عند الشدائد والكرب فليكثر الدعاء في الرخاء" صحيح الجامع . وحديث " تعرّف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة" رواه أحمد والترمذي .
السُـنة الخامسة : بعد نزول المطر
أن تقول : " مطرنا بفضل الله ورحمته " وتبدو الحاجة الآن ماسة للعمل بهذا الحديث واعتقاد معناه نظراً لأن كثيراً من الناس أصبح يُعلِّق نزول المطر على الظواهر الجوية ويتشبث بأقوال أهل الأرصاد وينسى أن إنشاء السحاب كان بقدرة الله تعالى وأن نزول المطر منه لا يحدث إلا بمشيئته سبحانه . في الحديث عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه قال: صلى بنا رسول الله صلاة الصبح بالحديبية في إثر سماء كانت من الليل، فلما انصرف أقبل على الناس فقال: "هل تدرون ماذا قال ربكم؟" قالوا: الله ورسوله أعلم ، قال: "أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مُطِرنا بفضل الله ورحمته ، فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا ، فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب" متفق عليه .
أخي الكريم : ما مضى ذِكره هو عن عبادات الجوارح التي يُسن فعلها عند المطر ، وهناك أيضاً عبادات للقلب ينبغي ملاحظتها وإعمار القلب بها ، منها:
تأمل عظيم قدرة الله عز وجل في تكوين تلك السحب الثقال بين السماء والأرض كالجبال تحمل معها الماء الزلال ، قال الله تعالى " أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنَـزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالأَبْصَارِ " سورة النور : 34 ، وهذا التأمل يُحدث مزيد خضوع وتذلل لله تعالى . قال ابن القيم رحمه الله : "فإذا تأملت السحاب الكثيف المظلم كيف تراه يجتمع في جو صاف لا كدورة فيه وكيف يخلقه الله متى شاء وإذا شاء وهو مع لينه ورخاوته حامل للماء الثقيل بين السماء والأرض إلى أن يأذن له ربه وخالقه في إرسال ما معه من الماء فيرسله وينزله منه مقطعاً بالقطرات ،كل قطرة بقدر مخصوص اقتضته حكمته ورحمته ، فيرش السحاب الماء على الارض رشا ، ويرسله قطرات مفصلة لا تختلط قطرة منها بأخرى ، ولا يتقدم متأخرها ، ولا يتأخر متقدمها ، ولا تدرك القطرة صاحبتها فتمزج بها ، بل تنزل كل واحدة في الطريق الذي رسم لها لا تعدل عنه حتى تصيب الأرض قطرة قطرة ، قد عُينت كل قطرة منها لجزء من الأرض لا تتعداه إلى غيره فلو اجتمع الخلق كلهم على أن يخلقوا منها قطرة واحدة أو يحصوا عدد القطر في لحظة واحدة لعجزوا عنه ، فتأمل كيف يسوقه سبحانه رزقاً للعباد والدواب والطير والذر والنمل ، يسوقه رزقاً للحيوان الفلاني في الأرض الفلانية بجانب الجبل الفلاني فيصل إليه على شدة من الحاجة والعطش في وقت كذا وكذا"
ومنها : أن في نزول المطر تذكير برحمة الله تعالى وما تحدثه من أثر على الناس والدواب والأرض كما قال جلّ شأنه "وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا ، لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا ) قال ابن كثير : "أي: وليشرب منه الحيوان من أنعام وأناسي محتاجين إليه غاية الحاجة، لشربهم وزروعهم وثمارهم، كما قال تعالى: "وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ" الشورى : 28" . وقد حكى الله عز وجل حال الناس قبل نزول المطر وما هم فيه من شدة وضيق وكربة ثم كيف تـتغير أحوالهم وتـنبسط أساريرهم ويلوح البِشر في وجوههم عند نزول الغيث ، فقال تعالى " اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ، وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ ، فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ " سورة الروم . وفي هذا دعوة للتعلق برحمة الله تعالى والبعد عن اليأس والقنوط وخاصة عندما تحيط الهموم والأحزان بالعبد ، أو عندما يجلب الشيطان على العاصي بخيلة ورَجله فيؤيسه من رحمة الله ويصرفه عن التوبة .
ومنها : تذكر رعاية الله تعالى لعباده وتوليه لشؤونهم وتكفله بأرزاقهم ، كما قال سبحانه "وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ " هود:6 . وقوله "إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ ، وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ، وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ " الجاثية .
وفي الإحياء للغزالي : "لا يستدير الرغيف ويوضع بين يديك حتى يعمل فيه ثلاثمائة وستون صانعاً ، أولهم ميكائيل عليه السلام ، وهو الذي يكيل الماء من خزائن الرحمة ، ثم الملائكة التي تزجر السحاب والشمس ، والقمر ، والأفلاك ودواب الأرض ، وآخر ذلك الخباز ".
وفي تذكر ذلك وتيقن العبد أن رزقه ورزق أهله والناس أجمعين بيد الله وحده مدعاة للثقة والتوكل على الله وسؤاله ، وعدم الخوف من أحد من عباده أن يضيق عليه رزقه ، فيطمئن بذلك قلبه وتـتحرر إرادته وتبذل نفسه .
أسأل الله جل وعلا الذي يُحي الأرض بالمطر أن يُحي قلوبنا بحبه وذِكره ، وأن يستعملنا في طاعته .
جزى الله كاتب الموضوع وأهله خير الجزاء ورحم موتاه وموتى المسلمين
السُـنة الأولى : عند أول نزول المطر
أن تقول : "اللهم صيـباً نافعاً" ، فعن عائشة رضي الله عنها أن رسـول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى المطر قال: " اللهم صيـباً نافعاً " رواه البخاري . فلعل دعوة صادقة منك تدفع ضرراً عن المسلمين من ذلك المطر وتجلب لهم به خيراً ، هذا فضلاً عن أجر فعل هذه السنة . وورد أيضاً أن تقول : "رحمة " لحديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا رأى المطر "رحمة" رواه مسلم .
السُـنة الثانية : أثناء نزول المطر
أن تقف تحت المطر وتحسر عن شيء من ملابسك ليصيب المطر جسدك رجاء البركة ، لحديث أنس رضي الله تعالى عنه قال : " أصابنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مطر فحسر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوبه حتى أصابه من المطر ، فقلنا : يا رسول الله لم صنعت هذا ؟ قال : لأنه حديث عهد بربه تعالى " . رواه مسلم .
قال النووي : " قوله : معنى حسر كشف ، أي كشف بعض بدنه ، ومعنى حديث عهد بربه أي بتكوين ربه إياه ، ومعناه أن المطر رحمة وهي قريبة العهد بخلق الله تعالى لها فيتبرك بها" .
وعن ابن عباس رضي الله عنه أن السماء مطرت فقال لغلامه : " أخرج فراشي ورحلي يصيبه المطر . فقال أبو الجوزاء لابن عباس : لم تفعل هذا يرحمك الله ؟ قال : أما تقرأ كتاب الله (ونزلنا من السماء ماء مباركاً) فأحب أن تصيب البركة فراشي ورحلي " . أخرجه البيهقي
وعن سعيد بن المسيب أنه رأى ابن عباس في المسجد ومطرت السماء وهو في السقاية فخرج إلى رحبة المسجد ثم كشف عن ظهره للمطر حتى أصابه ثم رجع إلى مجلسه.
وكان علي رضي الله عنه إذا مطرت السماء خرج فإذا أصاب رأسه الماء مسح رأسه ووجهه وجسده ، وقال : "بركة نزلت من السماء لم تمسها يد ولا سقاء " ـ
وعن ابن أبي مليكة ، قال : كان ابن عباس يتمطر ، يقول : يا عكرمة ، أخرج الرحل ، أخرج كذا ، أخرج كذا ، حتَّى يصيبه المطر .
وعن نباتة قال : كان عثمان بن عفان يتمطر . قال ابن رجب : معنى التمطر : أن يقصد المستسقي أو غيره الوقوف في المطر يصيبه .
وقال أبو الأشعر: رأيت أبا حكيم إذا كانت أول مطر تجرد ، ويقول : إن علياً كان يفعله ، ويقول ، أنه حديث عهد بالعرش .
السُـنة الثالثة : أثناء نزول المطر
يستحب إذا سال الوادي أن يتوضأ منه ويغتسل .
قال النووي: " يستحب إذا سال الوادي أن يغتسل فيه ويتوضأ منه لما رُوي أنه جرى الوادي فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "اخرجوا بنا إلى هذا الذي سماه الله طهوراً حتى نتوضأ منه ونحمد الله عليه".
السُـنة الرابعة : أثناء نزول المطر
أن تدعو الله تعالى وتسأله من خيري الدنيا والآخرة فإن ذلك موضع إجابة لأنه يوافق نزول رحمة من رحمات الله عز وجل، ففي الحديث " ثنتان ما تردان : الدعاء عند النداء ، وتحت المطر" صحيح الجامع . كما أن الإلتجاء إلى الله عز وجل وسؤاله في أوقات الرخاء مؤذنٌ للعبد أن يُستجاب له وقت الشدة وهو أحوج ما يكون إلى الإجابة ، فقد ورد في الحديث " من سره أن يستجيب الله له عند الشدائد والكرب فليكثر الدعاء في الرخاء" صحيح الجامع . وحديث " تعرّف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة" رواه أحمد والترمذي .
السُـنة الخامسة : بعد نزول المطر
أن تقول : " مطرنا بفضل الله ورحمته " وتبدو الحاجة الآن ماسة للعمل بهذا الحديث واعتقاد معناه نظراً لأن كثيراً من الناس أصبح يُعلِّق نزول المطر على الظواهر الجوية ويتشبث بأقوال أهل الأرصاد وينسى أن إنشاء السحاب كان بقدرة الله تعالى وأن نزول المطر منه لا يحدث إلا بمشيئته سبحانه . في الحديث عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه قال: صلى بنا رسول الله صلاة الصبح بالحديبية في إثر سماء كانت من الليل، فلما انصرف أقبل على الناس فقال: "هل تدرون ماذا قال ربكم؟" قالوا: الله ورسوله أعلم ، قال: "أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مُطِرنا بفضل الله ورحمته ، فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا ، فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب" متفق عليه .
أخي الكريم : ما مضى ذِكره هو عن عبادات الجوارح التي يُسن فعلها عند المطر ، وهناك أيضاً عبادات للقلب ينبغي ملاحظتها وإعمار القلب بها ، منها:
تأمل عظيم قدرة الله عز وجل في تكوين تلك السحب الثقال بين السماء والأرض كالجبال تحمل معها الماء الزلال ، قال الله تعالى " أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنَـزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالأَبْصَارِ " سورة النور : 34 ، وهذا التأمل يُحدث مزيد خضوع وتذلل لله تعالى . قال ابن القيم رحمه الله : "فإذا تأملت السحاب الكثيف المظلم كيف تراه يجتمع في جو صاف لا كدورة فيه وكيف يخلقه الله متى شاء وإذا شاء وهو مع لينه ورخاوته حامل للماء الثقيل بين السماء والأرض إلى أن يأذن له ربه وخالقه في إرسال ما معه من الماء فيرسله وينزله منه مقطعاً بالقطرات ،كل قطرة بقدر مخصوص اقتضته حكمته ورحمته ، فيرش السحاب الماء على الارض رشا ، ويرسله قطرات مفصلة لا تختلط قطرة منها بأخرى ، ولا يتقدم متأخرها ، ولا يتأخر متقدمها ، ولا تدرك القطرة صاحبتها فتمزج بها ، بل تنزل كل واحدة في الطريق الذي رسم لها لا تعدل عنه حتى تصيب الأرض قطرة قطرة ، قد عُينت كل قطرة منها لجزء من الأرض لا تتعداه إلى غيره فلو اجتمع الخلق كلهم على أن يخلقوا منها قطرة واحدة أو يحصوا عدد القطر في لحظة واحدة لعجزوا عنه ، فتأمل كيف يسوقه سبحانه رزقاً للعباد والدواب والطير والذر والنمل ، يسوقه رزقاً للحيوان الفلاني في الأرض الفلانية بجانب الجبل الفلاني فيصل إليه على شدة من الحاجة والعطش في وقت كذا وكذا"
ومنها : أن في نزول المطر تذكير برحمة الله تعالى وما تحدثه من أثر على الناس والدواب والأرض كما قال جلّ شأنه "وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا ، لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا ) قال ابن كثير : "أي: وليشرب منه الحيوان من أنعام وأناسي محتاجين إليه غاية الحاجة، لشربهم وزروعهم وثمارهم، كما قال تعالى: "وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ" الشورى : 28" . وقد حكى الله عز وجل حال الناس قبل نزول المطر وما هم فيه من شدة وضيق وكربة ثم كيف تـتغير أحوالهم وتـنبسط أساريرهم ويلوح البِشر في وجوههم عند نزول الغيث ، فقال تعالى " اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ، وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ ، فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ " سورة الروم . وفي هذا دعوة للتعلق برحمة الله تعالى والبعد عن اليأس والقنوط وخاصة عندما تحيط الهموم والأحزان بالعبد ، أو عندما يجلب الشيطان على العاصي بخيلة ورَجله فيؤيسه من رحمة الله ويصرفه عن التوبة .
ومنها : تذكر رعاية الله تعالى لعباده وتوليه لشؤونهم وتكفله بأرزاقهم ، كما قال سبحانه "وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ " هود:6 . وقوله "إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ ، وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ، وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ " الجاثية .
وفي الإحياء للغزالي : "لا يستدير الرغيف ويوضع بين يديك حتى يعمل فيه ثلاثمائة وستون صانعاً ، أولهم ميكائيل عليه السلام ، وهو الذي يكيل الماء من خزائن الرحمة ، ثم الملائكة التي تزجر السحاب والشمس ، والقمر ، والأفلاك ودواب الأرض ، وآخر ذلك الخباز ".
وفي تذكر ذلك وتيقن العبد أن رزقه ورزق أهله والناس أجمعين بيد الله وحده مدعاة للثقة والتوكل على الله وسؤاله ، وعدم الخوف من أحد من عباده أن يضيق عليه رزقه ، فيطمئن بذلك قلبه وتـتحرر إرادته وتبذل نفسه .
أسأل الله جل وعلا الذي يُحي الأرض بالمطر أن يُحي قلوبنا بحبه وذِكره ، وأن يستعملنا في طاعته .
جزى الله كاتب الموضوع وأهله خير الجزاء ورحم موتاه وموتى المسلمين