الحمد لله ربِّ العالمين، الرّحمن الرّحيم، مالك يومِ الدّين، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ لَه إلهُ الأوّلين والآخرين، وأشهد أنَّ نبيَّنا محمَّدًا عبده ورسوله سيِّدُ الأنبياء والمرسلين، اللّهمّ صلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أمَّا بعد: فيا أيّها المسلِمون، أوصيكم ونفسي بتقوَى الله جلَّ وعلا والعملِ بطاعته والبُعد عن أسباب غضَبه.
معاشر المسلمين، تتعاقبُ الأعوام وتتوالَى الشهور، والأعمار تُطوَى، والآجالُ تُقضَى، وكلُّ شيءٍ عنده بأجلٍ مُسمَّى. وإنَّ في استقبال عامٍ وتوديعِ آخر فرصًا للمتأمِّلين وذكرى للمُتدبِّرين،( يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ) [النور: 44]. فحقٌّ علَى المؤمِنِ المُوقِن بالله واليومِ الآخر أن لا يغفَل عن محاسبة نفسِه وتقييم مسارِها في ماضيها وحاضِرِها ومستقبلها، يقول ابن القيِّم رحمه الله: "وهلاكُ القلبِ في إهمال محاسبةِ النفس، وفي موافَقَتها واتّباع هواها".
يقول الله جل وعلا.( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [الحشر: 18]، ذكر الإمام أحمد رحمه الله عن عمر رضي الله عنه أنه قال: (حاسِبوا أنفسكم قبل أن تُحاسَبوا، وزِنُوها قبلَ أن تُوزَنوا، فإنّه أهوَن عليكم في الحساب غدًا أن تُحاسِبوا أنفسَكم اليومَ، وتزيَّنوا للعرض الأكبر، يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ [الحاقة: 18]).
إخوةَ الإسلام، أيُّها المسلم، تذكَّر وأنت تُودِّع عامًا وتستقبِل آخرَ بإذن الله أنَّ نجاتَك في محاسبةِ نفسِك وفوزك في معاهدةِ ذاتك: هل أنت عاملٌ بمُقتضى أوامرِ الله جلّ وعلا وأوامر رسوله ؟! هل أنت طائعٌ لله في كلِّ شأن، مُتَّبعٌ لرسول الله في كلِّ لحظةٍ وآنٍ؟! هل كفَفتَ النفسَ عن العِصيان وزجَرتَها عن الآثام؟! هل قُمتَ بحقوق الخالق كاملةً، وأدَّيتَ حقوق المخلوق وافِيَة؟! هل تفقَّدتَ نفسَك وما فيها من المُوبِقات، وعالجتَها عمّا فيها من المُهلِكات؟!
عنِ ابن عمرَ رضي الله عنهما قال: أخذ رَسول الله صلى الله عليه و سلم بمنكِبي فقال: ((كُن في الدنيا كأنّك غريبٌ أو عابر سبيل)). وكان ابن عمَر يقول: إذا أمسَيتَ فلا تنتظِرِ الصباحَ، وإذا أصبحتَ فلا تنتظِرِ المساء، وخُذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك. أخرجه البخاريّ.
فالمتّقون في كلِّ زمانٍ وحين لا يزدادون بالأعوام إلا خيرًا وبِرًّا، ولا تمرُّ بهِم السّنون إلا وهم في مسارعةٍ للخيرات واغتنامٍ للصالحات، يقول صلى الله عليه و سلم: ((خيرُكم من طال عمره وحَسُنَ عمله)) رواه أحمد والترمذي وقال: "حديثٌ حسنٌ صحيح" وصحَّحه الحاكم.
فكن -أيها المسلم- على حذَرٍ من تضييع الأعمال سُدًى، ومن تفويتِ السنوات غُثاء، فربُّنا جلّ وعلا يقول: (أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ) [فاطر: 37]، قال ابن عبّاس رضي الله عنه في مَعنى ذلك: (أولم نُعمِّركم ستين سنة؟!). وفي البخاري عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((أعذَرَ الله إلى الرّجل أخَّره إلى الستّين من عمره)) أي: لم يترك له عذرًا؛ إذ أمهَلَه هذه المدّة.
أخي المسلم، اغتنم كلَّ وقتٍ في اكتساب الحسنات والمبادرة إلى الصالحات؛ فعن جابر رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه و سلم يعِظُ رجلاً ويقول له: ((اغتنِم خمسًا قبل خمس: شبابَك قبل هَرَمك، وصحّتك قبل سَقَمك، وغناك قبل فَقرك، وفراغَك قبل شُغلك، وحياتك قبل موتِك، فما بعد الدنيا من مُستَعتَب، ولا بعد الدّنيا دارٌ إلا الجنة أو النار)) أخرجه الحاكم وصحَّحه ابن حجر.
فحَقٌّ على المُكلَّف وهو يودِّع عامًا ويستقبِل آخَر أن يقِف وقفةَ صدقٍ يُحاسِب فيها نفسَه ويُسائِل ذاته ليجعَلَ من تقلُّب الأزمان أنصح المُؤدِّبين وأفصَح الواعِظين؛ ليتنبَّه من غفلته ويعود عن غيِّه ويلين من قَسوَته، ففي قوارِع الدهر عِبَر، وفي حوادِث الأيام مُزدَجَر، يُحاسِب الإنسانُ نفسَه ليعلَم أنَّ هذه الدنيا دارُ ممرّ، وأنّ الآخرةَ هي الباقية.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((لا تزولُ قَدَمَا ابنِ آدم يوم القيامة حتى يُسأل عن خمس: عن عمره فيم أفناه؟ وعن شبابه فيم أبلاه؟ وعن ماله من أين اكتسَبَه؟ وفيم أنفقه؟ وماذا عمِل فيما علِم؟)) رواه الترمذي وله شواهد يكون بها حسنًا.
بارك الله لي ولكم في القرآن، ونفعنا بما فيه من الآيات والبيان، أقول هذا القول، وأستغفِر الله لي ولكم ولسائِر المسلمين من كلّ ذنبٍ، فاستغفروه إنّه هو الغفور الرحيم.
للشيخ حسين بن عبد العزيز آل الشيخ
أمَّا بعد: فيا أيّها المسلِمون، أوصيكم ونفسي بتقوَى الله جلَّ وعلا والعملِ بطاعته والبُعد عن أسباب غضَبه.
معاشر المسلمين، تتعاقبُ الأعوام وتتوالَى الشهور، والأعمار تُطوَى، والآجالُ تُقضَى، وكلُّ شيءٍ عنده بأجلٍ مُسمَّى. وإنَّ في استقبال عامٍ وتوديعِ آخر فرصًا للمتأمِّلين وذكرى للمُتدبِّرين،( يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ) [النور: 44]. فحقٌّ علَى المؤمِنِ المُوقِن بالله واليومِ الآخر أن لا يغفَل عن محاسبة نفسِه وتقييم مسارِها في ماضيها وحاضِرِها ومستقبلها، يقول ابن القيِّم رحمه الله: "وهلاكُ القلبِ في إهمال محاسبةِ النفس، وفي موافَقَتها واتّباع هواها".
يقول الله جل وعلا.( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [الحشر: 18]، ذكر الإمام أحمد رحمه الله عن عمر رضي الله عنه أنه قال: (حاسِبوا أنفسكم قبل أن تُحاسَبوا، وزِنُوها قبلَ أن تُوزَنوا، فإنّه أهوَن عليكم في الحساب غدًا أن تُحاسِبوا أنفسَكم اليومَ، وتزيَّنوا للعرض الأكبر، يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ [الحاقة: 18]).
إخوةَ الإسلام، أيُّها المسلم، تذكَّر وأنت تُودِّع عامًا وتستقبِل آخرَ بإذن الله أنَّ نجاتَك في محاسبةِ نفسِك وفوزك في معاهدةِ ذاتك: هل أنت عاملٌ بمُقتضى أوامرِ الله جلّ وعلا وأوامر رسوله ؟! هل أنت طائعٌ لله في كلِّ شأن، مُتَّبعٌ لرسول الله في كلِّ لحظةٍ وآنٍ؟! هل كفَفتَ النفسَ عن العِصيان وزجَرتَها عن الآثام؟! هل قُمتَ بحقوق الخالق كاملةً، وأدَّيتَ حقوق المخلوق وافِيَة؟! هل تفقَّدتَ نفسَك وما فيها من المُوبِقات، وعالجتَها عمّا فيها من المُهلِكات؟!
عنِ ابن عمرَ رضي الله عنهما قال: أخذ رَسول الله صلى الله عليه و سلم بمنكِبي فقال: ((كُن في الدنيا كأنّك غريبٌ أو عابر سبيل)). وكان ابن عمَر يقول: إذا أمسَيتَ فلا تنتظِرِ الصباحَ، وإذا أصبحتَ فلا تنتظِرِ المساء، وخُذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك. أخرجه البخاريّ.
فالمتّقون في كلِّ زمانٍ وحين لا يزدادون بالأعوام إلا خيرًا وبِرًّا، ولا تمرُّ بهِم السّنون إلا وهم في مسارعةٍ للخيرات واغتنامٍ للصالحات، يقول صلى الله عليه و سلم: ((خيرُكم من طال عمره وحَسُنَ عمله)) رواه أحمد والترمذي وقال: "حديثٌ حسنٌ صحيح" وصحَّحه الحاكم.
فكن -أيها المسلم- على حذَرٍ من تضييع الأعمال سُدًى، ومن تفويتِ السنوات غُثاء، فربُّنا جلّ وعلا يقول: (أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ) [فاطر: 37]، قال ابن عبّاس رضي الله عنه في مَعنى ذلك: (أولم نُعمِّركم ستين سنة؟!). وفي البخاري عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((أعذَرَ الله إلى الرّجل أخَّره إلى الستّين من عمره)) أي: لم يترك له عذرًا؛ إذ أمهَلَه هذه المدّة.
أخي المسلم، اغتنم كلَّ وقتٍ في اكتساب الحسنات والمبادرة إلى الصالحات؛ فعن جابر رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه و سلم يعِظُ رجلاً ويقول له: ((اغتنِم خمسًا قبل خمس: شبابَك قبل هَرَمك، وصحّتك قبل سَقَمك، وغناك قبل فَقرك، وفراغَك قبل شُغلك، وحياتك قبل موتِك، فما بعد الدنيا من مُستَعتَب، ولا بعد الدّنيا دارٌ إلا الجنة أو النار)) أخرجه الحاكم وصحَّحه ابن حجر.
فحَقٌّ على المُكلَّف وهو يودِّع عامًا ويستقبِل آخَر أن يقِف وقفةَ صدقٍ يُحاسِب فيها نفسَه ويُسائِل ذاته ليجعَلَ من تقلُّب الأزمان أنصح المُؤدِّبين وأفصَح الواعِظين؛ ليتنبَّه من غفلته ويعود عن غيِّه ويلين من قَسوَته، ففي قوارِع الدهر عِبَر، وفي حوادِث الأيام مُزدَجَر، يُحاسِب الإنسانُ نفسَه ليعلَم أنَّ هذه الدنيا دارُ ممرّ، وأنّ الآخرةَ هي الباقية.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((لا تزولُ قَدَمَا ابنِ آدم يوم القيامة حتى يُسأل عن خمس: عن عمره فيم أفناه؟ وعن شبابه فيم أبلاه؟ وعن ماله من أين اكتسَبَه؟ وفيم أنفقه؟ وماذا عمِل فيما علِم؟)) رواه الترمذي وله شواهد يكون بها حسنًا.
بارك الله لي ولكم في القرآن، ونفعنا بما فيه من الآيات والبيان، أقول هذا القول، وأستغفِر الله لي ولكم ولسائِر المسلمين من كلّ ذنبٍ، فاستغفروه إنّه هو الغفور الرحيم.
للشيخ حسين بن عبد العزيز آل الشيخ